بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و هفت
ومما استدل به للبرائة اخبار الحل
قال في الكفاية:
« ومنها: قوله ( عليه السلام ) «كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه» الحديث، حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقا، ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته، وبعدم الفصل قطعا بين إباحته وعدم وجوب الاحتياط فيه وبين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية، يتم المطلوب.
مع إمكان أن يقال: ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته، فهو حلال، تأمل.»[1]
والرواية ما رواها الكليني (قدس سره) في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.[2]
اما جهة السند فيها:
فرواه الكليني عن علي بن ابراهيم وهو من الطبقة الثامنة، وهو رواه عن ابيه ابراهيم بم هاشم وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن هارون بن مسلم، فهو هارون بن مسلم بن سعدان وثقه النجاشي والعلامة، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن مسعدة بن صدقة
وأما مسعدة بن صدقة وقع بهذا العنوان في سند كثير من الروايات روى هارون بن مسلم وهارون و جعفر بن عبدالله عنه، وفي عمدتها روى عن ابي عبدالله (عليه السلام) وفي الرجال، ذكر النجاشي: مسعدة بن صدقة العبدي يكنى أبا محمد. قاله ابن فضال، وقيل يكنى أبا بشر. روى عن أبي عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام.
له كتب، منها: كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام. أخبرنا ابن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر قال: حدثنا هارون بن مسلم عنه.[3].
وعده الشيخ في رجاله تارة من اصحاب الباقر قائلاً: مسعدة بن صدقة عامي.
واخرى من اصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً: مسعدة بن صدقة العبسي البصري ابو محمد.
وعده البرقي من اصحاب الصادق(عليه السلام).
وقال الكشي في ذيل ترجمة محمد بن اسحاق وجماعة: مسعدة بن الصدقة بتري.
وهذا الرجل روى عنه هارون مسلم، وهو روى عن ابي عبدالله الصادق (عليه السلام).
نقل الوحيد البهبهاني في التعليقة عن المجلسي الاول: ان الذي يظهر من اخباره التي في الكتب انه ثقة، لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافقة لما يرويه الثقات.
وقال السيد الخوئي (قدس سره) في معجم رجال الحديث بعد ذكر ما نقله في الرجل عن الاعلام.
«بقي هنا أمران:
الأول: أن صريح النجاشي أن الموصوف بالربعي هو مسعدة بن زياد، كما أن الموصوف بالعبدي هو مسعدة بن صدقة،
و لكن الذي يظهر من الروايات أن الأمر بالعكس، فإنا لم نجد رواية يوصف فيها مسعدة بن زياد بالربعي، كما لم نجد رواية يوصف فيها مسعدة بن صدقة بالعبدي. و لكن الشيخ روى بسند صحيح، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد العبدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام). (التهذيب: الجزء 7، باب فيما يحرم من النكاح من الرضاع و ما لا يحرم منه، الحديث 1303).
ورد في عدة من الروايات توصيف مسعدة بن صدقة بالربعي، منها: ما رواه الصدوق- قدس سره- بسنده عنه، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه (عليهما السلام). (الفقيه: الجزء 3، باب النوادر، باب حكم العنين، الحديث 1737، و الجزء 4، باب أن الوصية تمام ما نقص من الزكاة، الحديث 464)، و باب ما يجب من رد الوصية إلى المعروف من هذا الجزء، الحديث 478. و وصفه الصدوق في المشيخة في ذكر طريقه إليه بالربعي أيضا.
و روى الشيخ بسنده الصحيح، عن سعد بن عبد الله، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة الربعي، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام). (التهذيب: الجزء 3، باب فضل المساجد و الصلاة فيها، الحديث 729، و رواها في الإستبصار: الجزء 1، باب بئر الغائط يتخذ مسجدا، الحديث 1702، و التهذيب: الجزء 9، باب الوصية و وجوبها، الحديث 706).
الأمر الثاني: أن الشيخ ذكر في أصحاب الباقر (عليه السلام)، أن مسعدة بن صدقة عامي، كما ذكر الكشي أنه بتري، و لم يذكر عند ذكره في أصحاب الصادق ع أنه عامي، كما لم يذكر ذلك في فهرسته، و كذلك النجاشي.
و من ذلك يظهر:
أن من هو من أصحاب الصادق ع مغاير لمن هو من أصحاب الباقر (عليه السلام)، و البتري العامي هو الأول، دون الثاني الثقة الذي يروي عنه هارون بن مسلم. و مما يؤكد ذلك أن النجاشي ذكر الثاني، و قال: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و أبي الحسن (عليه السلام)، فإن اقتصاره على ذلك يدل على أنه لم يرو عن الباقر (عليه السلام).
و يؤيد هذا أن هارون بن مسلم، روى عنه سعد بن عبد الله المتوفى حدود (300)، و عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو في طبقة سعد، و يبعد روايتهما عن أصحاب الباقر ع بواسطة واحدة، و عليه فمن يروي عنه هارون بن مسلم، يغاير من هو من أصحاب الباقر ع، و الله العالم».[4]
هذا ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في معجم رجاله.
ويؤيده: ان سعد بن عبدالله ابي خلف القمي الاشعري من الطبقة الثامنة، وروى عنه الكليني (قدس سره).
وعبدالله بن جعفر الحميري روى عنه وعلي بن الحسين بن بابويه القمي ـ والد شيخنا الصدوق ـ روي عنه، وكذا روى عنه الشيخ الحسن بن الوليد، وهما في طبقة محمد بن يعقوب الكليني، وإن لم يرو الكليني عن عبدالله بن جعفر بلا واسطة، وعليه فهو من كبار الطبقة الثامنة، واصحاب الباقر (عليه السلام) من الطبقة الرابعة، ومن المستبعد جداً نقلهما عن اصحاب الباقر (عليه السلام) بواسطة واحدة، حتى لو قلنا بأن عبدالله بن جعفر من الطبقة السابعة كما قيل.
هذا ونظر السيد الخوئي (قدس سره) في ما حققه في المقام ان ما ذكر النجاشي بعنوان مسعدة بن زياد الربعي هو مسعدة بن الصدق، اذ هو الموصوف بالربعي دون غيره، وهو الذي ذكره من رواة ابي عبدالله الصادق(عليه السلام)، وقال فيه: انه ثقة عين.
ثم ان بناءً على تمامية ما حققه السيد في المقام فلا كلام في وثاقة مسعدة، وهو لا يخلو عن قوة و دقة، ومع التأمل فيه، فإن الاخبار المروية عن الرجل وصفت بالاعتبار عند فقهائنا في مقام الاستناد والفتوى، وما نقله شيخنا الوحيد عن المجلسي الاول (قدس سرهما) شاهد على ذلك.
وعليه فرواية مسعدة بن صدقة في المقام معتبرة، وهو من الطبقة الخامسة، هذا تمام الكلام في سند الرواية.
[1]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص341.
[2]. الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص313، الحديث40.
[3]. النجاشي، رجال النجاشي، ص415، الرقم1108.
[4]. السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج19، ص151- 153، الرقم12305.