هذا واما المسألة الثانية في هذه المسألة في العروة – مسألة 4 – فافاد صاحب العروة:
«نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضا ولكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور.»[1]
وصاحب العروة (قدس سره) ذكر هذه المسألة وفاقاً لصاحب الجواهر (قدس سره)، حيث انه طرح المسألة وافاد انه يكفي في براءة الذمة وان علم ان الوكيل قبضه لنفسه لان المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف. ثم تأمل فيه وافاد: لكن الانصاف انه لا يخلو عن تأمل.
وتفصيل الكلام فيه، انه اذا لم يدفع المكلف نفسه الخمس الى المستحق مباشرة بل دفعه الى وكيله، والوكيل المذكور هو من يعرف المكلف عدالته. الا انه لا يعلم كون الوكيل نفسه مستحقاً للخمس اولا، فدفعه اليه ليوصله الى المستحق، حتى لو كان المستحق نفسه اي اخذه الوكيل لنفسه. ففي هذه الصورة هل تبرء ذمة الموكل بذلك، مع انه لا يعلم من اخذ الخمس؟
فيمكن ان يأخذه الوكيل لنفسه، ولكن الموكل لا يعلم حال الوكيل من انه مستحق للخمس اولا، كما يمكن ان يدفعه الى غيره والموكل المذكور لا يعلم حال هذا الغير من كونه مستحقاً ام لا؟
وان ما يعلمه الموكل في هذا المقام كون الوكيل عادلاً، وانه وكله في الايصال الى مستحقه، ولو كان المستحق نفسه.
قال صاحب الجواهر في مقام التعليل لبراءة ذمة الموكل بهذا التوكيل: ان المعيار في الموصول الى المستحق انما هو يعلم الوكيل وتشخيصه دون الموكل، فاذا علم الوكيل بالاستحقاق كفى ايصاله اليه في براءة ذمة الموكل ولا نحتاج الى علم الموكل به.
نعم اذا علم الموكل عدم استحقاق من دفعه اليه ـ الاخذ للخمس ـ لا يكفي ذلك في البراءة الذمة، وذلك لان المصحح لفعل الوكيل اصالة الصحة الجارية في عمله واصالة الصحة في فعل الوكيل او النائب في العبادة او المعاملة وامثالها انما تجري اذا لم يعلم ببطلان فعلهما، واما اذا علم الموكل بطلانه فلا موضوع لجريان اصالة الصحة في فعله.
هذا ثم ان صاحب الجواهر (قدس سره) تامل في المقال وافاد:
«لكن الانصاف انه لا يخلو عن تامل»
وافاد صاحب العروة (قدس سره):
«لكن الاولى بل الاحوط عدم الاحتيال المذكور»
وافاد السيد البروجردي في الحاشية:
«هذا الاحتيال غير مفيد»
قال السيد الحكيم في المستمسك بعد نقل تأمل صاحب الجواهر:
«ولكن التأمل ضعيف» ولم يذكر وجه الضعف فيه. ولعل وجهه: كفاية علم الوكيل ما لم يعلم الخلاف بجواز التوكيل في ذلك وعلم بعدالة الوكيل ونفي اشتراط علم الموكل بالصحة.
وقال السيد الخوئي (قدس سره) في الحاشية بعد نقل كلام صاحب العروة: فيه اشكال.
وبيّن وجه الاشكال في بحثه الشريف حسب ما قرره بعض اجلة تلامذته.
قال بعد نقل تأمل صاحب الجواهر:
« والانصاف أن تأمله قدس سره في صحة هذا الاحتياط في محله. والوجه فيه أن الأصل المزبور لما كان مستندا إلى السيرة القائمة على البناء على الصحة والقدر المتيقن منها ما إذا لم يعلم الموكل الكيفية التي وقع الفعل عليها خارجا كما إذا أوكله على عقد ولم يعلم الموكل صحة ما أجراه من العقد وأنه هل أجراه مثلا بصيغة عربية أو لا ؟ ففيما إذا علم الكيفية وأنه أجراه بصيغة فارسية لكنه شك في صحته بشبهة حكمية فلأجل أن شمول دليل أصالة الصحة لذلك حينئذ غير معلوم كان اجراء الأصل وقتئذ في غاية الاشكال. ويلحقه في الاشكال موارد الشك في صحة الكيفية المعلومة بشبهة موضوعية كما في المقام حيث يعلم الموكل أن الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق لكنه يشك - أي الموكل - في استحقاقه، فإن البناء على الصحة حينئذ مشكل جدا لعدم احراز قيام السيرة في مثل ذلك عليه. ومن الواضح أن علم الوكيل طريقي محض وليس بموضوعي فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكل المكلف بايصال الحق إلى أهله، فكما أنه إذا صدر عنه مباشرة لم يكن مجزيا للشك في الاستحقاق المستتبع للشك في الفراغ، فكذلك إذا صدر عن وكيله وإن كان الوكيل يرى الاستحقاق.»[2]
ويمكن ان يقال:
ان الفرع الذي نقله صاحب العروة عن صاحب الجواهر يتفرع على امور يلزم التنبيه عليها.
1 – انه كما يمكن للمكلف دفع الخمس الى المستحق مباشرة يمكن له توكيل غيره لذلك وهذا له كلام فيه، لان يد الوكيل في ذلك يد الموكل وتبرأ ذمة الموكل باعطاء الوكيل في كل دين ولم يشترط فيه مباشرة الموكل لذلك.
2 – انه كما يمكن للمكلف دفع الخمس الى المستحق حسب تشخيصه استحقاقه لذلك كذلك يمكن له دفعه لمن يعرف استحقاقه من كان موثوقاً عنده او عادلا بنظره وكان عارفاً بمصارف الخمس، وذلك لانه لا يلزم له معرفة الموضوع بنفسه بل ان الموضوع مما يلزم احرازه، وكما يمكن احراز الموضوع له بنفسه، فكذلك يمكن احرازه من ناحية من يثق به ويطمئن بتشخيصه.
3 – ان فعل الوكيل كفعل غيره من المسلمين موضوع لاصالة الصحة فاذا وكله على فعل يترتب عليه اثر شرعي كعقد النكاح او عقد البيع او غيره من الافعال ففعله واخبر الموكل بوقوعة، فلا شبهة عند احد في الحكم بصحة ما فعله و ترتيب الاثار الشرعية عليه والحكم بالصحة لايختص بالشرع بل هو جاري عند العقلاء في سيرتهم ولولا ذلك نظامهم.
نعم هناك موارد يختلف فيها فتوى الموكل مع الوكيل او نظرهما التقليدي، ولكنه خارج عن الفرض اذا المفروض في المقام مكاتبة نظرهما في ذلك.
4 – ان اصالة الصحة حاكمة على قاعدة الاشتغال لكونها امارة وعليه فمع جريان اصالة الصحه في فعل الوكيل في دفع دين مثلاً فلا يبقى موضوع لاشتغال ذمة المكلف والشك فيه واقتضائه الفراغ اليقيني، لان الفراغ في ذلك انما يحصل بالامارة والشرعية و لايحتاج الموكل فيه الى اليقين الوجداني.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقي(المحشي)، ج4، ص307.
[2]. السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص322-323.