بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هفت
فمدفوع:
بأنها وان كانت بنفسها غير اختيارية ولكنها بمباديها كانت اختيارية حيث أمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها ويكفي هذا المقدار في اقتضائها للتحريم.
ويمكن ان يكون المرفوع فيها غير ذلك:
بان يقال ان المرفوع في الحسد انما هو وجوب رفعه بالرياضات والمجاهدات التي منها التحفظ وعدم التفتيش في أمور الناس والاطلاع على ما أعطوا من الأموال والأولاد ونحو ذلك مما هو منشأ حصول هذه الصفة الرذيلة ، فان الانسان إذا صرف نفسه إلى أحوال نفسه وامر آخرته ولم يتعرض للناس وما وهب لهم من النعيم كالرياسة والأموال والأولاد والسعة في العيش ونحو ذلك مما هو فاقد له لا يحصل له هذه الملكة الرذيلة ولو كانت حاصلة تزول عنه تلك الملكة وتنقطع عنه مادة الحسد على التدريج.
فكان الشارع امتنانا رفع هذا الوجوب مع كون رفعه مستحسنا في نفسه في مقام تحسين الأخلاق كرفع ساير الأخلاق الرذيلة والصفات الذميمة.
نعم لا يجوز ترتب الأثر الخارجي عليه لكونه حراما بلا اشكال وعليه أيضا يحمل ما دل من الاخبار على النهى عنه واثبات العقوبة عليه.
واما الطيرة: فالمرفوع فيه هو الصد عن المقاصد عند التطير والتشأم لكونه أمرا قابلا للجعل ولو امضاء لما عليه بناء العرف من الالتزام بالصد عن المقاصد عند التطير والتشاءم فنفاه الشرع امتنانا على الأمة كما يشهد لذلك قوله " عليه السلام " إذا تطيرت فامض.
واما الوسوسة في التفكر في الخلق:
فالمرفوع فيها هو وجوب التحفظ وصرف الذهن إلى أمور اخر غير مرتبطة بمقام امر الخلقة ولكن إرادة رفع الحرمة فيها أظهر بقرينة ظهور استناد الرفع إلى نفسها وقد استفاضت النصوص أيضا على أنه لا شئ فيها وانه تقول لا إله إلا الله»[1]
وما ينبغي التعرض له هو ان الامر الجوانحي وقع مورداً للنهي في الكتاب الكريم، بقوله جل جلاله:
{ يا أَيّهَا الّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيرًا مِنَ الظّنِّ إِنّ بَعْضَ الظّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا...}[2]
حيث ان الظن كالعلم من الصفات النفسانية التي يمكن حصوله للإنسان في نفسه من غير ان يظهره بوجه.
والحسد: بما هو فعل النفس من هذا القبيل، وقد اجاد في بيانه المحقق العراقي، فهو قابل لتعلق الحرمة، فرفعه يقتضي الامتنان.
وأما الطيرة: فهي ايضاً فعل جوانحي ينافي التوكل بل التوحيد، ولو اعتاد به الانسان لأوجب عدم مبادرته بعمل الا حسب اقتضاء هذه الموهومات، فهي ايضا قابل لأن يترتب عليه الآثار الشرعية، كوضع الأثر التكليفي كالحرمة.
وأما الوسوسة: فإنها بما هي موضوع لترتب الآثار الشرعية كالكفر وما يرتبط به لإيجابه الانقطاع في استمرار الإيمان.
وهذه الآثار ارتفعت بمقتضى حديث الرفع عن الأمة امتناناً عليهم.
هذا وقد ظهر ان حديث الرفع ورد الامتنان على الأمة.
ومع فرض عدم ثبوت وروده مقام الامتنان، فإنه يكفي في رفع الآثار الشرعية المترتبة على العناوين المذكورة في الحديث، مما يستوجب الكلفة والمشقة على العباد، وروده مورد التسهيل على العباد كإصالة الحلية وإصالة الطهارة، فيرفع به الآثار المنافية للسهولة على العباد، كما ذهب اليه السيد الاستاذ (قدس سره).
[1] . الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الأفكار تقرير البحث المحقق العراقي، ج3، ص225-226.
[2] . سورة الحجرات، الآية 12.