بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و پنج
وأما ثالثاً:
فإنه لا شبهة في ان العلم بالحكم والجهل به يكون في المرتبة المتأخرة عن الحكم، والرفع يتأخر عن العلم والجهل بالحكم، لأنه انما يعمل في الحالتين المذكورتين العارضتين على الحكم، وهذا تام لا شبهة فيه.
ولكن هنا سؤال وهو: ان الشارع لو اراد بعد جعل الحكم لعامة المكلفين، التصرف في حكمه بإضافة فيه او حذف شرط او غير ذلك فلا شبهة في انه يتمكن من ذلك ببيان اخر غير البيان الاول الدال على ارادة الحكم الواقعي المذكور، وهذا هو الحال في جميع المخصصات والمقيدات، وهذا يجري خصوصاً فيما لا يتمكن المولى من اضافة القيد او الشرط المذكور في حال ارادة نفس الحكم، نظير اعتبار قصد القربة وأمثاله.
وفي المقام بما ان بيان الشارع الدال على تشريع الحكم الواقعي، لا يمكن ان يكون ناظراً الى الحالات الطارئة عليه كالعلم به او الجهل به، او عروض حالات كالاكراه والاضطرار وامثالهما عليه، فلا شبهة في انه يبين ما اراده من النظر في هذه الحالات الطارئة ببيان اخر. وحديث الرفع فيما لا يعلمون وفي غيره من المذكورات ليس الا بياناً اخر من الشارع، ناظراً الى هذه الحالات الطارئة ويبين مقصوده، ويضيق دائرة حكمه الواقعي، وهذا لا محذور فيه اصلاً، وعليه فلا حاجة الى تعلق الرفع بإيجاب الاحتياط المفروض عدم ثبوته في جميع الاحكام الواقعية، ليحتاج الى تبيينه للمكلف.
نعم، في ما فرض اهتمام الشارع به من الاحكام والاعتبارات، فإن شأن ايجاب الاحتياط عيناً هو شأن ما يوجبه حديث الرفع، لأن الجهل من الحالات الطارئة فلو اراد تكليفه حتى في هذه الحالة فله التبيين والارشاد، وهو يحتاج الى الاثبات، وعليه فإنه لا محذور في تعلق الرفع بالاحكام والاعتبارات الصادرة عن الشرع في دائرة التشريع، بل لا مناص من ذلك، ولا يترتب عليه محذور.
فما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في بيان تعلق الرفع بالاحكام الواقعة في غاية المتانة، نعم يمكن ان يلاحظ فيما افاده.
من ان معنى الرفع فيما لا يعلمون ترخيص الشرع والاباحة، وإن معنى البرائة الشرعية هو جعل الترخيص بخلاف البرائة العقلية حيث ان مفادها قبح العقاب بلا بيان:
ان الجعل الثاني الناظر الى حالة الجهل بالحكم الواقعي فيما لا يعلمون، وفيما لم تحرز اهمية المناط المقتضية لايجاب الاحتياط به، هو رفع الآثار الشرعية المترتبة على العناوين المذكورة، والرفع اعتبار شرعي يتمكن منه الشارع في جميع ما اعتبر الوضع فيه، فهو بنفسه اعتبار الا ان مقتضى الجعل تشريع الحكم واثباته، ومقتضى الرفع نفيه بعد ثبوته.
وهذا وإن كانت فائدته ونتيجته ترخيص المكلف بمعنى عدم كونه مكلفاً به او عدم ترتب ما اعتبره الشارع عليه بالنسبة اليه، كما هو الحال في الوصفيّات الا انه ليس ترخيصاً بمعنى انه لا يعتبر الترخيص في مورده كما يعتبر الالزام بالوجوب او الحرمة. فإن عدم نفي الحكم ظاهراً او واقعاً بعد ثبوته يجعل المكلف في راحة منه، ولا يؤثر الاعتبار المذكور والآثار المترتبة عليه بالنسبة اليه. وهو وإن كان متحداً مع الترخيص بحسب النتيجة الا انه ليس اعتباراً خاصاً بعنوان الترخيص.
وعليه فإن البرائة الشرعية هي برائة المكلف وحريته عن الحكم، وهي بنفسها عنوان يترتب عليه عدم المؤاخذة.
والبرائة العقلية هي نفس المعنى اي برائة الانسان من جهة المسؤلية بالنسبة الى غير المعلوم، وليست هي قبح العقاب، بل قبح المؤاخذه حيثية تقليلية بالنسبة الى الترخيص المذكور.
هذا مع ان بالنسبة الى ما افاده من ان نتيجة الرفع في غير ما لا يعلمون من العناوين الخمسة تخصيص الاحكام الواقعية المترتبة على موضوعاتها المقدرة وجوده بما عدى عروض هذه الطوارئ فيمكن ايضاحه:
بأن الرفع اعتبار من الشرع لا محالة ولكن يفترق مع سائر الاعتبارات كاعتبار الالزام فعلاً او تركاً من الاحكام التكليفية، كما يفترق مع الاعتبارات الوضعية الصادرة منه، وخصوصية هذا الاعتبار التي يمتاز بها عن غيره هي ان الشارع برفعه ينفى ما وضعه من الاعتبارات بقسميها، ونرى هذا الاعتبار في حديث الرفع كما نراه في لا ضرر ولا حرج، بل في الموارد الخاصة نظير لا ربا بين الوالد والولد، ولا شك لكثير الشك.
فهو اعتبار خاص. وهو وإن يلزم ان يكون بإنشاء خاص غير انشاء نفس التكاليف والوصفيات، ولذا يشبه بمتمم الجعل، ولذا بين (قدس سره) نظائره في مثل اعتبار قصد القربة الا انه ليس بجعل حقيقة، لو كان المراد من الجعل الوضع وإنشاء الحكم، نعم هو يشبه به ونظير له، والاحسن ان يقال انه انشاء ثان ينشأ النفي لاحكام خاصة في موارد خاصة. ولذا لا نرى صدوره من الشارع في غير ما كان له انشاء سابق بالوضع.
وهذا الانشاء تكون فائدته فائدة التخصيص في جميع الموارد، بلا فرق بين فقرات حديث الرفع وبين غيره من الموارد، نظير لا حرج ولا ضرر.