بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و پنج
وما افاده في تقريب الاستدلال بالآية الشريفة تام نظير ما حققه في مقام الجواب عما استجوبه به العلمان عن الاستدلال بها.
ثم انه استدل الشيخ (قدس سره) تبعاً لغيره بآيات اخرى:
منها: قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً الا ما آتاها)[1]. وتقريب الاستدلال بها:
ان الآية تدل على عدم تكليف العبد الا بما آتاه من الاحكام والشرائع، فما لم يؤته لا تكليف له به، فالتكليف الغير المعلوم، وما لا تقوم عليه الحجة من ناحيته من علم او علمي فلا يكون العبد مكلفاً به، ولا يجب عليه امتثاله.
ويمكن ان يقال: ان في مدلول الآية الشريفة محتملات اربعة:
1 - ان المراد بالموصول في ما آتاها المال، ويكون مدلول الآية ان الله لم يوجب على المكلف الا انفاق ما اعطاه من المال.
قال الشيخ (قدس سره): «فأما ان يراد بالموصول المال بقرينة قوله تعالى قبل ذلك: من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله فالمعنى: ان الله سبحانه لا يكلف العبد الا دفع ما اعطى من المال».[2]
2 - ان يراد بالموصول نفس فعل الشيء او تركه، فيكون المعنى: ان الله لا يكلف نفساً الا حسب وسعها وقدرتها، والمدلول هو نفي التكليف بغير المقدور.
قال الشيخ (قدس سره): «وأما ان يراد نفس فعل الشئ او تركه بقرينة ابقاع التكليف عليه فاعطائه كتابة عن الاقدار عليه، فتدل على نفي التكليف بغير المقدور، كما ذكره الطبرسي، (رحمه الله).[3] وهذا المعنى اظهر واشمل، لأن الانفاق من الميسور داخل فيما آتاه الله»[4].
3 - ان يراد بالموصول نفس الحكم والتكليف، فيكون معنى الآية، ان الله تبارك وتعالى لا يطلب من العبد الا ما ابلغه من الاحكام، فلولا اعلام الشارع به فلا يكلف العبد به. وإن التكليف المجهول مما لم يؤته.
قال الشيخ (قدس سره): «نعم، لو اريد من الموصول نفس الحكم والتكليف، كان إيتاؤه عبارة عن الاعلام به...».
ثم افاد (قدس سره) بأن الشاهد عليه:
«... رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: قلت له: هل كلف الناس بالمعرفة؟ قال: لا، على الله البيان، (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، و (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)[5]وظاهر الشيخ (قدس سره) اختيار الاحتمال الاول وهو كون المراد من الموصول خصوص المال، وعليه فإنه لا دلالة في الآية على المدعى بوجه.
وأورد على الاحتمال الثاني، وهو كون المراد من الموصول نفس فعل الشيء وتركه:
«... فمن المعلوم ان ترك ما يحتمل التحريم ليس غير مقدور والا لم ينازع في وقوع التكليف به احد من المسلمين، وإن نازعت الاشاعرة في امكانه».[6]
وحاصله: انه اذا كان المراد من الموصول فعل الشي او تركه، اي لا يكلف الله نفساً على فعل شيء او ترك شيء الا مع اعطائه القدرة عليه، فهو وإن كان هذا الاحتمال اظهر واشمل، لشموله مورد الآية وغيره وانها تدل على نفي كل تكليف بغير المقدور، سواء كان انفاق المال او غيره الا ان بناء عليه لا دلالة في الآية على المدعى، وذلك: لأن فعل الشيء او تركه لا يكون مورداً للتكليف الا مع قدرة المكلف عليه، والمدعى في المقام نفي التكليف من ناحية الشارع في مشتبه الحكم وترك المشتبه وهو ترك محتمل التحريم، او اتيان محتمل الوجوب ليس غير مقدور. فلا يدخل امره في مدلول الآية الذي هو نفي التكليف بغير المقدور.
وأورد على الاحتمال الثالث:
« لو أريد من الموصول نفس الحكم والتكليف، كان إيتاؤه عبارة عن الإعلام به. لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية، وإرادة الأعم منه ومن المورد تستلزم استعمال الموصول في معنيين، إذ لا جامع بين تعلق التكليف بنفس الحكم وبالفعل المحكوم عليه، فافهم.
نعم، في رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: قلت له: هل كلف الناس بالمعرفة؟ قال: لا، على الله البيان، ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )، و ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) ". لكنه لا ينفع في المطلب، لأن نفس المعرفة بالله غير مقدور قبل تعريف الله سبحانه، فلا يحتاج دخولها في الآية إلى إرادة الإعلام من الإيتاء، وسيجئ زيادة توضيح لذلك في ذكر الدليل العقلي إن شاء الله تعالى.»[7]
ثم افاد الشيخ (قدس سره): «ومما ذكرناه يظهر حال التمسك بقوله تعالى: لا يكلف الله نفساً الا وسعها»[8].
وحاصل ما جاب به الشيخ (قدس سره):
ان مورد الآية الانفاق مما آتاه الله، فلو اردنا من الموصول الحكم فهو ينافي مورد الآية لعدم وجود حيثية مشتركة بينهما، كان الموصول دليلاً عليها وحاكياً عنها، وإرادتهما معاً من الموصول يستلزم استعماله في المعنيين.
ولو قيل بشمول الآية للحكم والتكليف بمقتضى رواية عبد الاعلى، بأن يقال ان المراد من الآية بحسب الرواية والتعبد الحكم والتكليف، فأورد عليه (قدس سره): بأن لنا الاشكال في مدلول الرواية. وهو ان المعرفة التي وقعت مورد السؤال في الآيه كانت في نفسها غير مقدور للمكلف، فإذا عرفها الله له صار مقدوراً بحسب تعريفه، وهذا امر معلوم لا شبهة فيه. وعليه فلا يحتاج في اثباته الى التمسك بالآية وإرادة الاعلام من الايتاء.
[1] . سورة الطلاق، الآية 7.
[2] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص21.
[3] . الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج5، ص309.
[4] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص21.
[5] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص21-22.
[6] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص21.
[7] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص21-22.
[8] . سورة البقرة، الآية 286.