درس خارج فقه من قسمة الخمس و متسحقه جلسه سي و نه
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و نه
وقال السيد الخوئي:
« و لكن قد يناقش في صحة هذا الكتاب بوجوه:
الأول: أنه موضوع، و علامة ذلك اشتماله على قصة وعظ محمد بن أبي بكر أباه عند موته مع أن عمر محمد وقتئذ كان أقل من ثلاث سنين، و اشتماله على أن الأئمة ثلاثة عشر.
و يرد هذا الوجه أولا أنه لم يثبت ذلك، و السند في ذلك ما ذكره ابن الغضائري، و قد تقدم غير مرة: أنه لا طريق إلى إثبات صحة نسبة الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري، كيف و قد ذكر صاحب الوسائل في ترجمة سليم بن قيس: و الذي وصل إلينا من نسخة الكتاب ليس فيه شيء فاسد و لا شيء مما استدل به على الوضع، و لعل الموضوع الفاسد غيره، و لذلك لم يشتهر و لم يصل إلينا (انتهى).
و قال الميرزا في رجاله الكبير: إن ما وصل إلي من نسخة هذا الكتاب، المذكور فيه أن عبد الله بن عمر، وعظ أباه عند الموت و أن الأئمة ثلاثة عشر مع نبي ص، و شيء من ذلك لا يقتضي الوضع (انتهى). و قال الفاضل التفريشي في هامش النقد: «قال بعض الأفاضل: رأيت فيما وصل إلي من نسخة هذا الكتاب أن عبد الله بن عمر وعظ أباه عند موته، و أن الأئمة ثلاثة عشر من ولد إسماعيل، و هم رسول الله ص مع الأئمة الاثني عشر، و لا محذور في أحد هذين (انتهى).
و إني لم أجد في جميع ما وصل إلي من نسخ هذا الكتاب إلا كما نقل هذا الفاضل، و الصدق مبين في وجه أحاديث هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فكان ما نقل ابن الغضائري محمول على الاشتباه». (انتهى كلام الفاضل التفريشي ).
أقول: و مما يدل على صحة ما ذكره صاحب الوسائل و الفاضلان التفريشي و الأسترآبادي:أن النعماني روى في كتاب الغيبة بإسناده عن سليم بن قيس في كتابه حديثا طويلا، و فيه:
(فقال علي ع: أ لستم تعلمون أن الله عز و جل أنزل في سورة الحج: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَ اُسْجُدُوا وَ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اَللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اِجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى اَلنّاسِ.
فقام سلمان -رضي الله عنه-عند نزولها فقال يا رسول الله ص: من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم و هم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم ؟ فقال رسول الله-ص-: عنى الله بذلك ثلاثة عشر إنسانا: أنا و أخي عليا، و أحد عشر من ولده) (الحديث). و روى أيضا بإسناده عنه قال: لما أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين نزل قريبا من دير نصراني، إذ خرج علينا شيخ من الدير جميل الوجه حسن الهيئة و السمت، معه كتاب حتى أتى أمير المؤمنين ع فسلم عليه.. (إلى أن قال): و في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله من خير خلق الله.. (إلى أن قال) رسول الله اسمه محمد ص، و أحب من خلق الله إلى الله بعده علي ابن عمه لأمه و أبيه، ثم أحد عشر رجلا من ولد محمد، و ولده أولهم يسمى باسم ابني هارون شبرا، و شبيرا، و تسعة من ولد أصغرهما واحد بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى خلفه. و روى أيضا بإسناده عنه حديثا طويلا و فيه: أن رسول الله ص سمى لعلي، قال علي ع: قد سألت فافهم الجواب (إلى أن قال): قلت يا رسول الله-ص -و من شركائي؟ قال ص: الذين قرنهم الله بنفسه و بي فقال: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (الآية) (إلى أن قال): قلت يا رسول الله-ص سمهم لي، فقال: ابني هذا، و وضع يده على رأس الحسن ع، ثم ابني هذا و وضع يده على رأس الحسين ع، ثم ابن له على اسمك يا علي ع ثم ابن له محمد بن علي ع ثم أقبل على الحسين ع و قال سيولد محمد بن علي في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكمله اثني عشر إماما (الحديث).
و روى بإسناده عنه أيضا أن عليا ع، قال لطلحة في حديث طويل عند تفاخر المهاجرين و الأنصار: يا طلحة أ ليس قد شهد رسول الله-ص -حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده و لا تختلف؟.. إلى أن قال: و سمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة فسماني أولهم ثم ابني هذا حسن ثم ابني هذا حسين ثم تسعة من ولد ابني هذا حسين (الحديث).
و روى بإسناده عنه أيضا حديثا طويلا فيه، قال علي بن أبي طالب ع إن رسول الله-ص - قال: فما بال أقوام يعيروني بقرابتي و قد سمعوني أقول فيهم ما أقول من تفضيل الله تعالى إياهم- إلى أن قال-: نظر الله إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار عليا أخي و وزيري و وارثي و وصيي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي-إلى أن قال-ثم إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار من أهل بيتي بعدي و هم خيار أمتي أحد عشر إماما بعد أخي واحدا بعد واحد (الحديث). و روى محمد بن يعقوب بسندين صحيحين و بسند آخر عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول: كنا عند معاوية أنا و الحسن ع و الحسين ع، و عبد الله بن عباس، و عمر ابن أم سلمة، فجرى بيني و بين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله-ص -يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب ع أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي ع فالحسن بن علي ع أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين ع أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا علي، ثم ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم تكمله اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين.. إلى أن قال، قال سليم: و قد سمعت ذلك من سلمان و أبي ذر و المقداد، و ذكروا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله-ص -. الكافي: الجزء ١ ، كتاب الحجة ۴ ، باب ما جاء في الاثني عشر و النص عليهم ع ١٢۶ ، الحديث ۴ . و رواه النعماني في كتاب الغيبة عن محمد بن يعقوب نحوه.
و رواه الصدوق في الخصال، في أبواب الاثني عشر، الحديث ۴١ ، بسندين صحيحين عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي نحوه. و روى أيضا فيه، الحديث ٣٨ ، عن أبيه-رضي الله عنه-قال: حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي، قال دخلت على النبي-ص -و إذا الحسين ع على فخذيه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول: أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن حجة، أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم. و بما ذكرناه يظهر أن ما نسبه ابن الغضائري إلى كتاب سليم بن قيس من رواية أن الأئمة ثلاثة عشر لا صحة له، غاية الأمر أن النسخة التي وصلت إليه كانت مشتملة على ذلك و قد شهد الشيخ المفيد أن في النسخة تخليطا و تدليسا و بذلك يظهر الحال فيما ذكره النجاشي في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد من أنه عمل كتابا لأبي الحسين العلوي الزيدي، و ذكر أن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين ع، و احتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي: أن الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين ع. و أما وعظ محمد بن أبي بكر أباه عند موته فلو صح فهو و إن لم يمكن عادة إلا أنه يمكن أن يكون على نحو الكرامة و خرق العادة. و على ذلك فلا وجه لدعوى وضع كتاب سليم بن قيس أصلا. و ثانيا: أن اشتمال كتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه، كيف و يوجد ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي الذي هو أمتن كتب الحديث و أتقنها.»[1]
[1]. السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9، ص230-234، تحت الرقم5401 في ترجمة سليم بن قيس الهلالي.