بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و هشت
الخامس:
قد مر في كلام صاحب الكفاية (قدس سره)، ان الاصول العملية: هي التي ينتهي اليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل مما دل عليه حكم العقل او عموم النقل.
وأفاد المحقق النائيني (قدس سره):
« لا يجوز إعمال الوظيفة المقررة لحال الشك إلا بعد الفحص واليأس عن وجود أمارة على أحد طرفي الشك، لما عرفت: من أن الأمارات تكون حاكمة على الأصول، فلا يجوز الاعتماد على الأصول مع احتمال وجود أمارة في مورد الشك إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالأمارة.»[1]
والمهم في المقام هو ان موضوع الاصول العملية الشك، والعلم بثبوت الحكم يرفع الشك لا محالة، فمع وجود الحكم بعلم لا يتحقق الموضوع لجريان الاصول، لأنه انما يتحقق اذا لم يثبت لنا الحكم بعلم او علمي، ومع احتمال وجود الحكم ـ في فرض كون الاحتمال عقلائيا ـ لا يحزر تحقق الموضوع وهو الشك، ولابد في احرازه من الفحص عن الحكم، فلزوم الفحص يختص بالشبهات الحكمية، وعمدة الدليل عليه حكم العقل باستحقاق عقاب من ترك التعلم مع القدرة عليه، بعد الالتفات بالشريعة والالتزام بها، فإن مع المعلوم بناء الشرع على تبليغ الاحكام على سبيل المتعارف بين العقلاء في تبليغ مقاصدهم. وعليه فإن التارك للتعلم حينئذٍ كتارك التكليف عن علم في استحقاق العقاب.
وقد التزام المحقق النائيني (قدس سره) في المقام الثاني من المقامين الذين بحث فيهما عما يعتبر في جريان البرائة، ان وجوب الفحص في الاحكام الشرعية من صغريات وجوب الفحص عن معجزة من يدعي النبوة بعد التفاته الى المبدأ الأعلى.
والبحث في ان الحكم العقل بلزوم الفحص انما يكون من هذه الجهة او من جهة العلم الاجمالي بوجود احكام في الشريعة مع فرض الالتزام بها، او اشتراك الأمرين في الملاك موكول الى محله.
وبالجملة انه يلزم الفحص حتى يحصل اليأس عن وجود الحكم، لأن مع احتمال الحكم كما مر يحتمل عقلاً وجود الحاكم او الوارد للأصل العملي، ولا يحرز معه الموضوع له.
وسيأتي تفصيل الكلام في وجه الفحص ومقداره والميزان في حصول اليأس في مباحث البرائة.
السادس:
ان البحث في البرائة والاشتغال في هذا المقام لا يبتني على البحث في ان الاصل في الاشياء الحظر او الإباحة.
وذلك لأن النزاع في ان الاصل في الاشياء الحظر او الاباحة يرجع الى البحث عن ان حكم الاشياء مع قطع النظر عن ورود حكم من الشارع لها الحظر او الاباحة، والحاكم في هذا المقام العقل لا محالة.
وأما النزاع في المقام انما يكون في ان بعد ملاحظة ورود حكم الاشياء من ناحية الشارع فهل يكون الحكم عند الشك فيه البرائة او الاشتغال، ولا تلازم بين المسئلتين، فإنه يمكن الالتزام بالاحتياط في هذا المقام، مع الالتزام بالاباحة هناك، وأفاد المحقق النائيني:
« لا تلازم بين المسألتين فضلا عن عينية إحديهما للأخرى . نعم: من قال في مسألة الحظر والإباحة بالحظر، عليه إقامة الدليل على انقلاب الأصل إلى البراءة، ومن قال في تلك المسألة بالإباحة فهو في فسحة عن إقامة الدليل على البراءة، بل على الطرف إقامة الدليل على الاشتغال»[2]
ويمكن ان يقال: ان من قال في تلك المسئلة بالاباحة كما هو الحق هناك لزمه هنا الفحص عما جاء به الشرع من الحكم في مورد الشبهة، ولا يجوز له اجراء البرائة بصرف التزامه بالاباحة هناك، لأن الاباحة هناك حكم عقلي مع قطع النظر عن ورود البيان من الشرع، ومع احتماله العقلائي لا يجزي اجراء البرائة الا مع اليأس بعد الفحص عن وجود الدليل الحاكم، كما اختاره (قدس سره)، بأن لزوم الفحص من صغريات مسئلة وجوب الفحص عن معجزة من يدعي النبوة... كما مر في الامر الخامس، ولا يساعده الالتزام هنا بفسخه من التزام بالاباحة هناك لتغيير الموضوع، فإن الموضوع هناك حكم الاشياء مع قطع النظر عن ورود البيان من الشرع، وفي المقام مع النظر اليه.
[1] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول، تقريرات البحث الاصول الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، ج3، ص326.
[2] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول، تقريرات البحث الاصول الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، ج3، ص329.