درس خارج اصول المقصد السابع في الأصول العملية جلسه سي و شش
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و شش
وصريح هذه الكلمات ارادة النوع من التكليف، اي الالزام الخاص كالوجوب والحرمة، وإن كان ربما لا يساعده ما مر منه في مباحث العلم الاجمالي.
وعلى اي حال، فإنه لا وجه لكون المراد من التكليف جنسه دون نوعه الخاص من الالزام كالوجوب والحرمة.
وذلك، لأن التكليف اعتبار من المولى على عهدة العبد، وهو اما الوجوب او الحرمة او غيرهما من الاحكام التكليفية، ومثله الاحكام الوضعية.
وهذا الاعتبار امر بسيط يتحقق بالانشاء، فليس له ماهية مركبة من الجنس والفصل، وأن يراد من ضمهما النوع، وما قد يقال من ان الوجوب والحرمة يشتركان في الالزام، الا ان في الاول الزام بالفعل وفي الآخر بالترك، او يقال: ان الندب والكراهة يشتركان في الرجحان، الا ان في الاول كان الرجحان في الفعل، وفي الآخر في الترك، انما يحسن في مقام التحليل والانتزاع، حيث ان الذهن في مقام التجريد و التحليل يتزع عن الوجوب او الحرمة الالزام، وفي الندب والكراهة الرجحان، ولكنه لا واقع له، فإن التكليف هو ما يوجب تنجزه اشتغال ذمة المكلف به، وما يقع على عنقه، وهو عين الوجوب والحرمة وغيرهما. وفي مقام تشخيص مجاري الاصول كان الاعتبار بتنجزه على عهدة المكلف، وعدم تنجزه وحتى كان له الخروج عن عهدته بالامتثال، ولا وقع في هذا المقام بالالزام والعلم بجنس التكليف، فإن العلم بالالزام المطلق لا يوجب بتنجزه، ولا يلزمه الامتثال و الخروج عن العهدة، لأن الالزام ليس حكماً شرعياً، وأنه انتزاع عند القياس مع الحرمة، فلا وجه للتأكيد عليه او ذكره في تشخيص مجاري الاصول، كما صدر من المحقق النائيني (قدس سره) وقبله من صاحب الكفاية. وما افاده الشيخ في مباحث العلم الاجمالي لو تم ظهوره في تنجز العلم بالجنس مما لا يمكن المساعدة عليه. فالمراد من التكليف الذي قيد مجرى البرائة بالشك فيه الحكم الشرعي كالوجوب والحرمة، الذي يعبر عنه بالنوع دون الجنس. وقد ظهر بما مر ان اساس البرائة عدم تنجز التكليف في فرض عدم العلم به، ويقبح العقاب عليه لأنه عقاب بلا بيان، ولا الزام للاحتياط فيه تحفظا على الواقع بمجرد احتماله، وهذا بخلاف ترخيص العقل في الاقتحام فعلاً او تركاً في مورد الترجيح، لأنه ترخيص في فرض عدم التمكن من المراعات التام بالاحتياط، مع تنجز التكليف بالعلم به، وعدم ترجيح في احد الاطراف، وقد مر ان الترخيص من العقل في هذا المقام ترخيص في ترك الموافقة القطعية، ولذا لا ينافيه الامتثال الاحتمال برعاية الموافقة الاحتماليّه وعدم جواز المخالفة القطعيّة، لأن مراعات الاحتياط بهذا المقدار فيه امر ممكن كما افاده صاحب الكفاية (قدس سره). فظهر ان مجرى البرائة الشك في التكليف، المراد منه نوعه من الوجوب والحرمة. فيكون الصحيح بين هذه التقارير: ان الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ام لا، وعلى الثاني فإما ان يكون الشك في التكليف من الوجوب او الحرمة او في المكلف به مع تنجز التكليف بالعلم به ولو اجمالاً، والثاني اما ان يمكن فيه الاحتياط او لا يمكن. فالاول مجرى الاستصحاب والثاني مجرى البرائة، والثالث مجرى الاشتغال، والرابع مجرى التخيير.
وبناءً عليه لا تدخل مجاري الأصول العملية.
وأما ما اورده صاحب الكفاية (قدس سره) على الشيخ نقضاً في حاشية الرسائل:
1 - موارد دوران الامر بين وجوب شيء وحرمة شيء اخر حيث افاد صاحب الكفاية انه مجرى البرائة لكون الشك فيه في التكليف.
ولكن الشيخ اختار فيه الاحتياط فتدخل مجاري البرائة والاحتياط.
2 - موارد دوران الامر بين الوجوب والحرمة والاباحة في شيء واحد حيث انه لا يمكن فيه الاحتياط فيكون مجرى التخيير، مع ان الشيخ اختار فيه البرائة.
3 - ما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة في شيء واحد، فإن الشك فيه في التكليف فيكون مجرى البرائة، ولكن الشيخ اختار فيه التخيير.
وذلك لأن مع غمض العين عما اختاره الشيخ في هذه الموارد، ان بناءً على ما قررناه في تنقيح مجاري الاصول، ان مجرى الاحتياط والتخيير انما يتشخص بتنجز الحكم بالعلم به تفصيلاً او اجمالاً، ويكون الفارق بينهما امكان الاحتياط وعدم امكانه، والبحث فيما ذكره من موارد الدوران انما يكون في ان العلم الاجمالي بثبوت احد الفردين من الحكم هل يوجب تنجيزهما على المكلف ام لا، فربما يقال انه لا يتنجز به حكم خاص على المكلف، ومعه يدخل في مجرى البرائة.
ولو قلنا بأن العلم بثبوت تكليف ما المردد بين الفردين في موضوعين او موضوع واحد يوجب تنجزه، و بتبعه يوجب الامتثال الاجمالي، فلا محالة يلزم القول بالاحتياط في فرض امكانه، والقول بالتخيير في فرض عدم امكانه.
نعم ربما يلتزم بالتنجيز فيه اذا كان المراد من التكليف ما هو اعم من جنسه او نوعه، ولكنه مر عدم تماميته، وأن المراد من التكليف نوعه الخاص من الوجوب والحرمة.
وعليه فمع غمض العين عما قرره الشيخ هنا في تشخيص مجاري الاصول، وما اختاره في مباحث العلم الاجمالي في الموارد المذكورة، ان اندراج هذه الموارد في احد مجاري الاصول المختلفة انما يبتني على ما نختاره من تنجيز الحكم بالعلم الاجمالي التي يحصل للمكلف في هذه الموارد ام لا، وتمام البحث في محله.