ضرورة أنّ قصر ابن الغضائري و غيره ممّن شاء المنع من العمل بروايته على المناقشة في كتابه خاصة، و نسبة الوضع إلى أبان بن أبي عياش يكشف عن كون وثاقة سليم مسلّمة، و أنّه منزّه من كلّ شين.
و لقد أجاد العلاّمة رحمه اللّه حيث عدّله في الخلاصة بقوله: و الوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه، و التوقف في الفاسد من كتابه.
و تبعه المحقق الداماد (قدس سرّه) حيث قال: الحقّ عندي فيه- وفاقا للعلاّمة و غيره من وجوه الأصحاب- تعديله و استفساد الفاسد من الكتاب المنسوب إليه. انتهى[1].
فإنّ ظاهره وقوفه على التعديل من غير العلاّمة أيضا، فلا وجه لاعتراض الشهيد الثاني رحمه اللّه على العلاّمة بقوله: و أمّا حكمه بتعديله؛ فلا يظهر له وجه أصلا، و لا وافقه عليه غيره. انتهى.
فإنّ فيه؛
أوّلا: إنّ تعديله ظاهر كلّ من ناقش في كتابه بنسبة الوضع إلى أبان، و بعدم ثبوت وثاقة أبان من دون غمز فيه نفسه.
و ثانيا: إنّ ما ذكرناه من الشواهد على عدالته كافية في تعديل العلاّمة رحمه اللّه إيّاه، و عدم موافقة أحد غير قادح بعد عدم مخالفة أحد فيه، و عدم صدور غمز من أحد فيه، و كونه من أساطين أهل الخبرة؛ فإنّ المجتهد في الفنّ قد يوثّق من لم يوثّقوه، و قد يقف على ما لم يقفوا عليه، و قد يطمئنّ بوثاقة الرجل من عدّ الشيخ في باب أصحاب السجاد عليه السلام إياه صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، و جعل البرقي إيّاه من أوليائه عليه السلام. و غير ذلك ممّا لا يخفى على أهل الفنّ.
و ممّن يستفاد منه توثيقه، الفاضل المجلسي رحمه اللّه في البحار ٢ في كتاب الغيبة، حيث قال: كيف يشك مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار عليهم السلام فيما تواتر فيهم في قريب من مائتي ألف حديث صريح رواها نيف و أربعون من الثقات العظام، و العلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم. ثمّ عدّهم، و ذكر من جملتهم: سليم بن قيس الهلالي[2]، فلاحظ.[3]
هذا كله كلمات الاصحاب فيه ولا شبهة معها في وثاقة الرجل بل عدالته وجالالة شأنه، بل يكفي في ذلك شهادة البرقي على انه من اولياء امير المؤمنين (عليه السلام).
وفي القبال لم يرد من الاصحاب ما دل على التشكيك فيه الا ما افاده ابن الغضائري حيث قال:
« سليم بن قيس، الهلالي، العامري . روى عن أميرالمؤمنين، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) . وينسب إليه هذا الكتاب المشهور . وكان أصحابنا يقولون: إن سليما لا يعرف، ولا ذكر في خبر . وقد وجدت ذكره في مواضع من غير جهة كتابه، ولا من رواية أبان ابن أبي عياش عنه . وقد ذكر له ابن عقدة في " رجال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " أحاديث عنه .»[4]
وهذا عجيب منه لانه لا يستند ما قاله الى اجتهاده او نقل خاص من الاصحاب بل قال: «وكان اصحابنا يقولون ان سليم لا يعرف ولا يذكر في خبر»، ونسب ذلك الى الاصحاب، فانه يقع في طبقته الاحدى عشرة ويكون من مشايخ النجاشي، وسياتي ان الصدوق انما نقل روايات سليم في كتبه والصدوق في الطبقة العاشرة، وذكره الكشي في رجاله وروى روايات تدل على كونه من اصحاب السر، والكشي من الطبقة الثامنة، كما ان الكليني الواقع في الطبقة التاسعة روى عنه في الكافي وله طريق الى سليم، كما ان للكشي الطريق له، وقد ذكر ابن عقدة من رجال امير المؤمنين احاديث عنه وذكره نفي ابن الغضائري. وهذا كله بالنسبة الى الاصحاب السابقين على ابن الغضائري، ولم نذكر كلمات المتاخرين عنه وكونه معروفاً عند الاصحاب ومذكوراً في خبر هل يكون بغير ذلك مما مر ذكره، فان من يعرف من الرواة وممن يذكر هل ذلك الا من جهة النقل وكونه مذكوراً في كتب الرجل ويعتنى به بحيث كان لارباب الجوامع الحديثية الطريق اليه ومما يدل على عدم الدقة فيما ذكره قوله بروايته عن ابي عبدالله (عليه السلام) مع انه لم يعهد رواية، رواه عن ابي جعفر فضلاً عن ابي عبدالله (عليه السلام) وانه بناء على التحقيق مات في عصر زين العابدين (عليه السلام) .
ومن الاسف ان العمدة من القول في رد كتاب سليم بن قيس وادعاء كونه موضوعاً صدر من ابن الغضائري وسياتي الكلام فيه.
وقد ذكر السيد التفرشي في رجاله ونقله الاردبيلي في جامع الرواة:
« حمد بن الحسين بن عبيد الله: ابن إبراهيم الغضائري، أبو الحسين مصنف كتاب الرجال المقصور على ذكر الضعفاء، والظاهر أن ابن الغضائري الذي نقل العلامة قدس سره عنه في الخلاصة كثيرا هو هذا، كما صرح باسمه في ذكر إسماعيل بن مهران وأبي شداخ وسيجئ بعض أحواله عند ذكر أبيه الحسين ولم أجد في كتب الرجال في شانه شيئا من جرح ولا تعديل.»[5] ولم يذكر في جامع الرواة عند ذكر الحسين بن عبيد الله بن ابراهيم الغضائري عند مازاد على ما افاده في المقام.
وذكر ان الحسين عن مشايخ شيخ الطائفة الطوسي، سمع الشيخ منه واجاز له جميع رواياته، وكذا اجاز النجاشي وذكر المحقق الاردبيلي انه يستفاد من تصحيح العلامة لطريق الشيخ (رحمه الله) الى محمد بن علي بن محبوب توثيقه ولم اجد الى يومنا من خالفه وكان ابن الغضائري صاحب الرجال ايضا من مشايخ النجاشي ووثقه السيد الخوئي (قدس سره) بهذه الجهة اي كونه من مشايخ النجاشي.
الا ان للسيد الخوئي القائل في صحة نسبة الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري اي رجاله وقد افاد في المقام:
«والسند في ذلك – المناقشات المذكورة في صحة كتاب سليم بن قيس - ما ذكره ابن الغضائري، وقد تقدم غير مرة: أنه لا طريق إلى إثبات صحة نسبة الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري»[6].
هذا وبالجملة ان وثاقة سليم بل عتدالته وجلالة قدره وقربه الى امير المؤمنين وبعده الى سيد شباب اهل الجنة والى الامام علي بن الحسين ثابتة ولا يعارضه ما مر ذكره عن ابن الغضائري.
[1] تعليقة السيّد الداماد على الكافي، ص ١۴۵.
[2] علامه مجلسي، بحار الأنوار، ج ۵٣، ص ١٢٢ باختلاف غير مهم.
[3] شیخ عبدالله مامقانی، تنقیح المقال فی علم الرجال، ج32، ص 29-31.
[4] أحمد بن الحسين ابن الغضائري، رجال ابن الغضائري، ص63، الرقم55-1.
[5] التفرشي، نقد الرجال، ج1، ص119، الرقم 219-44؛ محمد بن علي الأردبيلي، جامع الرواة، ج1، ص48.
[6] السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9، ص230.