بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و چهار
وأما مجرى التخيير:
فإن المتفق عليه في الكلمات ان مجرى التخيير ما لا يمكن فيه الاحتياط.
وإنما وقع الخلاف في انه هل يعم مجراه الشك في التكليف والشك في المكلف به او انه يختص بالشك في التكليف. وقد عرفت اختلاف كلمات الشيخ في تبيين المجاري في ذلك.
وأفاد المحقق النائيني (قدس سره) ان مباحث التخيير قليلة لا يستحق افراد فصل تخصه، فالاولى التعرض لمباحثه في ضمن مباحث البرائة، وعقد فصول ثلاثة للبرائة والاشتغال والاستصحاب، وأنه (قدس سره) قرر مجرى التخيير ما اذا كان التكليف معلوماً بفصله او نوعه او جنسه ولا يمكن فيه الاحتياط.
كما قرر المحقق العراقي مجرى التخيير ما اذا كان هناك حجة على التكليف المشكوك من علم اجمالي او غيره، ولم يمكن فيه الاحتياط.
وقد سبق تقرير صاحب الكفاية من ان مجرى التخيير ما كان الالزام في الجملة معلوماً مع عدم امكان الاحتياط.
وهذه التقارير الثلاثة من الاعلام واحدة، وهي موافقة لما افاده الشيخ في اول مباحث القطع بقوله، وبعبارة اخرى حيث قرر هناك مجرى التخيير ما اذا كان الشك في التكليف ولم يمكن فيه الاحتياط.
وفي قباله ما افاده من ان مجرى التخيير ما لا يمكن فيه الاحتياط سواء كان الشك في التكليف او في المكلف به. في اول القطع وأول البرائة.
والحق هو التقريب الاول، لأن من شروط التخيير عدم امكان الاحتياط، وهذا انما يتصور فيما لزم فيه الاحتياط تحفظا على الواقع، وهو ينحصر في الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف، وينحصر مورده بالعلم الاجمالي بالحكم بأنه اما الوجوب او الحرمة ولا يتمكن المكلف من الجمع بينهما تحفظا على الواقع.
اما الاشتغال: فمجراه في الكلمات العلم بالحكم مع كون الشك في المكلف به، بلا فرق بين العلم به تفصيلاً او اجمالاً، وبمعنى اخر قيام المنجز على الحكم، مع امكان الاحتياط، فإن تنجيز الحكم يقتضي الفراغ عنه، وهو لا يتحقق الا بالامتثال اما تفصيلاً او اجمالاً، ومع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي يتحقق الموضوع للامتثال الاجمالي.
والتخيير هو نحو من الترخيص عند العقل الحاكم بلزوم التفريغ عن عهدة التكليف عند تنجزه وذلك: لأن مجرى التخيير هو صورة تنجز التكليف بحصول العلم به، وفي هذه الصورة يحكم العقل بلزوم تفريغ الذمة عن التكليف المعلوم اجمالاً او تفصيلاً، وهذا التفريغ لا يتحقق الا بالامتثال، فإن امكن الامتثال تفصيلاً لزمه ذلك، ومع عدم امكانه تصل النوبة الى الامتثال الاجمالي وهو الاحتياط.
وحيث ان في موارد التخيير لا يمكن الاحتياط حسب الفرض، فالعقل بما انه لا يمكنه الحكم بغير المقدور، والمكلف في الفرض غير متمكن من الاحتياط مع تنجز التكليف بالنسبة اليه، فإنما يحكم العقل برخصته عن تفريغ الذمة المفروض اشتغالها، ولكن ترخيصه في هذا المقام انما كان بالنسبة الى الموافقة القطعية التي تقتضيها الاحتياط بمناط عدم امكانه، وللمكلف ترك الموافقة القطعية، ولكنه لا يجوز له قطعاً المخالفة القطعية، وإن الأخذ بأحد طرفي الاحتمال او احد اطرافه هو التحفظ على الموافقة الاحتمالية التي هي القدر الممكن في مقام امتثال التكليف المنجز. وقد افاد المحقق العراقي (قدس سره) بأن حكم العقل بالترخيص في هذا المقام فاترك الموافقة القطعية انما يكون مع ضم قبح الترجيح بلا مرجح، فيكون نتيجته التوسعة على المكلف بأخذ بعض الاطراف وترك بعضها تخيراً، كما افاد ان حكمه بالترخيص كان بمناط الاحرجحية في الفعل والترك وقدعرفت تفصيله. وهذا الترخيص غير الترخيص المستفاد من قاعدة البرائة بمناط قبح العقاب بلا بيان، لتقدم الترخيص في المقام بعدم التمكن من الامتثال التام بعد تنجيز التكليف وتقومه هناك بعدم تنجز التكليف والشك فيه.
اما الاشتغال: فمجراه في الكلمات العلم بالحكم مع كون الشك في المكلف به، بلا فرق بين العلم به تفصيلاً او اجمالاً، وبمعنى اخر قيام المنجز على الحكم، مع امكان الاحتياط، فإن تنجيز الحكم يقتضي الفراغ عنه، وهو لا يتحقق الا بالامتثال اما تفصيلاً او اجمالاً، ومع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي يتحقق الموضوع للامتثال الاجمالي. فمجرى الاحتياط يشترط امران:
1 – تنجيز الحكم وهو يتحقق بالعلم بالحكم بلا فرق بين العلم به اجمالاً او تفصيلاً.
2 – امكان التحفظ على الواقع المعلوم، ويعبر عنه بإمكان الاحتياط.