بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي
وهذا بيان آخر لما افاده سيدنا الاستاذ (قدس سره)، حيث ان حاصل بيانه هو ان نتيجة المسئلة الاصولية تنقيح الدليل في المسئلة الفقهية، اي ما يمكن ان يستدل به فيها، والدليل رافع للشك والشبهة اما حقيقة او تعبداً كما في الامارات، اما برفع الحيرة والتردد، وإما برفع الاحتمال المنشأ للتردد حسب تعبيره (قدس سره).
وإما نتيجة القاعدة الفقهية نفس الحكم المستنبط بالدليل، وما يكون من عوارض افعال المكلفين.
وهذا الفارق، فارق ذاتي بين المسئلة الاصولية والقاعدة الفقهية.
وإنما يترتب على هذا الفارق الذاتي امور:
1 - ان القاعدة الاصولية يحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل او مقتضى عموم النقل فيها الى مزيد بحث وبيان ومؤونة حجة وبرهان.
بخلاف القواعد الفقهية حيث انها ثابتة من دون حاجة الى نقض وابرام كما مر في كلام صاحب الكفاية.
فإنه وإن كان قابلاً للنقض والايراد في الجملة الا انه مشير الى نكتة اساسية وهو ان مقام البحث عن تنقيح الدليل يحتاج الى بحث ونقض وابرام اكثر من مقام البحث عن تنقيح الحكم الشرعي.
2 - جريان القواعد الاصولية في كل الابواب واختصاص القواعد الفقهية ببعضها. كما مر عن صاحب الكفاية ايضاً.
فإن الدليل مما يحتاج اليه في جميع ابواب الفقه في مقام استنباط الحكم وإما الحكم الشرعي فهو خاص بمسئلة خاصة او ابواب خاصّة.
3 - ان نتيجة المسائل الاصوليّة انما تنفع المجتهد ولا حظ للمقلد فيها، وإما النتيجة في القواعد الفقهية فهي تنفع المقلد ويجوز للمجتهد الفتوى بها. كما مر من المحقق النائيني (قدس سره).
لأن من المعلوم ان الدليل الذي هو نتيجة المسألة الاصوليّه لا ينفع المقلد، بل ينفع المجتهد في مقام الاستدلال بخلاف الحكم الشرعي المستفاد من القواعد الفقهية.
4 - ان النتيجة في المسألة الاصولية انما تكون كليّة ولا يمكن ان تكون جزئية وهذا بخلاف النتيجة في القاعدة الفقهية، فانها تكون جزئية، ولو فرض انه في مورد كانت النتيجة كلية ففي مورد اخر تكون جزئية.
كما مر في كلام المحقق النائيني ايضاً.
وتبعه في ذلك السيد الخوئي (قدس سره) حيث افاد ان النتيجة في القواعد الفقهية نتيجة شخصية بخلاف القواعد الاصولية، فإن النتيجة فيها كليّة.
ووجهه واضح، لأن الدليل قابل للاستدلال به في جميع ما ينطبق عليه موضوعه، وأما الحكم الشرعي فهو ليس قابلاً للانطباق الا في موارده الخاصة.
5 - ان استفادة الاحكام الشرعية من القاعدة الاصولية من باب الاستنباط والتوسيط، بخلاف القواعد الفقهية، فإن الاحكام الشرعية المستفادة منها انما هي من باب التطبيق كما مر من السيد الخوئي (قدس سره) ووجهه واضح، لأن ما يقع وسطاً في الاثبات ويقتضي الاستنباط هو الدليل، وأما الحكم فلا شأن له الا الانطباق على موارده.
6 – ان القواعد الاصولية هي القواعد الآلية التي يمكن ان تقع كبرى استنتاج الاحكام الكلية الالهية او الوظيفة العملية، فالمراد بالآلية ما لا ينظر فيها بل ينظر بها فقط، ولا يكون لها شأن الا ذلك، فتخرج بها القواعد الفقهية، فإنها منظور فيها لأن قاعدة ما يضمن وعكسها ـ بناءً على ثبوتها ـ مما ينظر فيها وتكون حكماً كلياً الهياً كما افاده السيد الامام الخميني فيما قررعنه في مناهج الاصول.
فإن ما ينظر بها هو الدليل، وما ينظر فيها هو الحكم الشرعي، والدليل له الآلية في مقام استخراج الحكم.
فإن كل هذه الوجوه ليس فارقاً ذاتياً بين القاعدة الاصولية والقاعدة الفقهية، بل يكون من الآثار المترتبة على الفارق الذاتي، فكان كل واحد من هذه الاعاظم رأي ما يمتاز بنظره بين القاعدتين من الفرق، ولكن الكل راجع الى امر ذاتي، وفارق ماهوي، وهو ان القاعدة الاصولية نتيجتها تنقيح الحجة وغرضه ما يمكن الاستدلال به في مقام استخراج الحكم.
وهذه النتيجة جارية في الاصول العملية ايضاً، حيث ان البرائة او الاستصحاب قابل للاستدلال به بعنوان الحجة لاستخراج الحكم الشرعي، وأن لا يعبر عنه بالدليل حسب الاصطلاح، ولذا يغير عن نتيجة المسألة الاصولية بتنقيح الحجة دون الدليل، وأما القواعد الفقهية حالها حال المسئلة الفقهية الجزئية، حيث ان استخراج الحكم فيها يحتاج الى الاستناد بالحجة التي هي نتيجة المسألة الاصولية، الا ان خصوصية القواعد الفقهية قابلة شمولها وانطباقها لمسائل فقهية عديدة، اي تجمع مسائلاً فقهية في الحكم، فلا فرق بينها وبين المسئلة الفقهية الخارجية الا ذلك. وكيفية استخراج الحكم فيها هي نفس الكيفية التي يستخرج الحكم بها في المسئلة الفقهية الخارجية، والنقض والابرام ومزيد البحث والبيان في بعض هذه القواعد لا يخرجها عما هو المقصود فيها من تنقيح الحكم الشرعي في مقام النتيجة. وليعلم ان الوجوه المذكورة لبيان الفارق، وقد قلنا بأنها ليست فارقاً ذاتياً وإن كان قابلاً للنقض والابرام والمناقشة في جامعيتها، الا ان الأمر فيها سهل بعد كونها من الاثار المترتبة على الفارق الذاتي الذي بيناه، وادق هذه الوجوه ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) وكذا الوجه الثاني الذي افاده في الكفاية، كما يمكن ارجاع ما افاده السيد الخميني الى ما حققناه من الفارق الذاتي.