بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هفت
وأساس ذلك ما افاده من ان تمايز العلوم انما هو باختلاف الاغراض الداعية الى التدوين دون الموضوعات و المحمولات، وأن موضوع علم الاصول في الحقيقة الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتته، دون خصوص الادلة الاربعة بما هي هي كما اختاره صاحب الفصول، او بما هي ادلة كما هو المشهور بين الاصوليين واختاره صاحب القوانين (قدس سره)، هذا ولكنا اخترنا ان موضوع علم الاصول هو الحجة في الفقه، فكل ما يستند اليه في الفقه بعنوان الحجة داخل في مسائل اصول الفقه.
والاحكام المجعولة في ظرف الشك بما انها حجة بمعنى كونها منجزة للواقع على فرض الاصابة ومعذرة عنه في فرض عدمه، فلا محالة توجب الامن من العقوبة، ولا نريد من الحجة الا ذلك لانها مما يحتج به العبد على المولى.
ويؤيده ما حققه المحقق الاصفهاني (رضوان الله عليه) من ان الضابط للمسئلة الاصولية «القواعد الممهدة لتحصيل الحجة على الحكم الشرعي»؛[1] كما قرر حقيقة الاستنباط تحصيل الحجة على الحكم الشرعي بلا توقف على احراز الحكم.
وتبعه في ذلك السيد الخوئي (قدس سره)، وإن كان لا يساعد ما افاده هنا مع ما قرره في مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري من ان مفاد دليل الامارة جعل المنجزية والمعذرية او الحكم المماثل دون مفاد دليل الاصل الشرعي، فإنه ليس الا جعل حكم ظاهري يصير به فعلياً، وأما الواقع فلا يكون فعلياً لحكم العقل بارتفاع فعليته بفعلية الحكم الظاهري.
وذلك: لانه سواء قلنا بأن المجعول في البرائة الاباحة الظاهريّة او ان مرجعها الى رفع الحكم، فإنه على كلا التقديرين يوجب معذورية المكلف عن الحكم الواقعي، وهذه المعذورية من آثار الحجة، لان الحجة ما يترتب عليها المنجزية والمعذريّة.
فاذا التزمنا بأن موضوع علم الاصول الحجة في الفقه، وأن ضابط المسألة الاصولية تحصيل الحجة، لا محذور في دخول الاصول العملية في مسائل علم الاصول، ومنه يظهر انه لا وجه للالتزام بأن بناءً على التقديرين اي الالتزام بكون المجعول في البرائة الحكم الظاهري، او ان مفادها رفع الحكم الواقعي لا تدخل مباحث الاصول العملية في مسائل علم الاصول، بل يكون البحث فيها استطرادياً، لأنه بناء عليهما – كما مر – لا وجه لعدم كون البرائة موجبة لمعذورية المكلف.
والحاصل انه لا تتوقف الحجية في المقام على كون المجعول ناظراً الى الواقع او ان المجعول فيها حكماً مماثلاً للواقع كما هو الحال في الامارات، بل ان جعل ما يوجب عذر المكلف في ترك الواقع الموجب للأمن من العقاب يحقق الحجية. وهذا يكفي في اطلاق الحجة على البرائة.
هذا مع ان المجعول في الاشتغال ما يوجب التحفظ على الواقع، كما ان للاستصحاب نحو نظر الى الواقع كما سيأتي البحث عنه مفصلاً.
ثم ان هذه المناقشات تختص بالاصول العملية الشرعية، وأما الاصول العقلية فلا كلام في تحصيل الحجة بها وإن مفادها الحجية، وهي ما تترتب عليها المنجزية او المعذورية او ان معنى الحجية المعذرية والمنجزية.
الثالث:
افاد صاحب الكفاية (قدس سره) بأن المهم من الاصول العملية اربعة، وإن مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية وإن ينطبق عليها ما ذكرنا في تعريف الاصل العملي بانه ما ينتهي اليه المجتهد فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته، الا ان البحث عنها ليس بمهم، حيث انها ثابتة بلا كلام من دون حاجة الى النقض والابرام بخلاف الاربعة، وهي البرائة والاحتياط والتخيير والاستصحاب، فإنها محل الخلاف بين الاصحاب، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل او مقتضى عموم النقل فيها الى مزيد بحث وبيان.
وزاد لاخراج اصالة الطهارة عن محل البحث بأنها تختص ببعض الابواب والاصول العملية الاربعة جارية في جميع الابواب.
وهذان الوجهان هما اللذان بني عليهما لاخراج قاعدة الطهارة عن الاصول العملية الموضوعة للبحث في المقام.
وأفاد في حاشية الكفاية، بأن ما قد يقال من اخراج قاعدة الطهارة عن الاصول العملية الموضوعة للبحث، بأن قاعدة الطهارة مطلقاً تكون قاعدة في الشبهة الموضوعية لان الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجية التي يكشف عنها الشرع، مما لا وجه له ولا يتم.
وذلك: لأن الطهارة والنجاسة من الاحكام الوضعية الشرعية، ولذا اختلفتا في الشرائع بحسب المصالح الموجبة لتشريعهما.
[1] . المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني، نهاية الدراية، ج 1، ص 11.