درس خارج اصول المقصد السابع في الأصول العملية جلسه بيست و شش
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و شش
قال في الكفاية:
المقصد السابع: في الأصول العملية.
وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل، مما دل عليه حكم العقل أو عموم النقل، والمهم منها أربعة، فإن مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية، وإن كان مما ينتهي إليه فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته، إلا أن البحث عنها ليس بمهم، حيث إنها ثابتة بلا كلام، من دون حاجة إلى نقض وإبرام، بخلاف الأربعة، وهي: البراءة والاحتياط، والتخيير والاستصحاب: فإنها محل الخلاف بين الأصحاب، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ومؤونة حجة وبرهان، هذا مع جريانها في كل الأبواب، واختصاص تلك القاعدة ببعضها، فافهم.[1]
ولتوضيح المقصود في المقام ينبغي تقديم امور:
الاول:
ان المراد من الاصل العملي في علم الاصول، الاصل الجاري في الشبهات الحكمية مطلقاً وجوبية كانت او تحريمية، وسواء نشأت الشبهة من فقه النص او اجمال النص او التعارض النصين.
والاصل العملي هو الحكم المجعول في مورد الشك بحيث يكون الشك موضوعاً له.
ولذلك نرى ان الشيخ (قدس سره) قسم في صدر كتاب الرسائل المكلف الملتفت الى الحكم الشرعي العملي في الواقعة على اقسام ثلاثة، لأنه اما ان يحصل له القطع بالحكم، وإما ان يحصل له الظن وإما ان يحصل له الشك.
ويفترق الشك مع غيره من القطع او الظن، بأنه لا كاشفية للشك عن الواقع بخلاف القطع او الظن حيث انهما مرآة لما رآه الواقع، فلو ورد في مورد الشك حكم شرعي بأن يرد مثلاً: الواقعة المشكوكة حكمها كذا، كان حكما ظاهرياً في مقابل الحكم الواقعي المتعلق بها، وليس فيه ارائة للواقع بوجه.
وإنما يطلق عليه الحكم الواقعي الثانوي لانه حكم واقعي للواقعة المشكوكة في حكمها.
وثانوي لان موضوع الحكم الظاهري المذكور لا يتحقق الا بعد تصور حكم نفس الواقعة والشك فيه.
والحكم الاولي هو ما يستكشف بالعلم او الظن المعتبر، ويتيقن بالدليل، وقد يقيد بالاجتهادي، وأما الاصل فهو في مقابل الدليل، اي يجري فيما لا دليل على الحكم في الواقعة، لكنه ربما يعبر عنه بالدليل الفقاهتي حسب ما اصطلحه الوحيد البهبهاني (قدس سره)، وحيث ان مرتبة الحكم الظاهري متأخرة عن الحكم الواقعي لان موضوعه يقيد بالشك في الحكم الواقعي، فإن الادلة مقدمة على الاصول لارتفاع موضوع الاصل بوجود الدليل.
الثاني:
انه اذا التزمنا بأن المسألة الاصولية ما تقع في طريق الاستنباط، او ما تقع كبرى لقياس الاستنباط، فإن مباحث الاصول العملية خارجة عن مسائل اصول الفقه، لانها وظائف مقررة للجاهل يؤخذ بها في وعاء الجهل والشك، وانما يستند اليه في ظرف خفاء الواقع بخلاف الامارات حيث لم يؤخذ الجهل والشك في لسان دليلها.
وصاحب الكفاية (قدس سره) ذكر في تعريف الاصول العملية بأنها ما ينتهي اليها المجتهد بعد الفحص عن الظفر بالدليل، مما دل عليه حكم العقل او عموم النقل، لادخال مباحثها في مسائل علم الاصول. فإنه (قدس سره) افاد في مقدمة الكتاب ان علم الاصول «صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام او التي ينتهي اليها في مقام العمل»[2]. والاصول العملية حيث كانت مما ينتهي اليها المجتهد في مقام العمل بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل فهي داخلة في مسائل اصول الفقه.
[1] . كفاية الاصول، ص 337.