بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و پنج
قال صاحب الكفاية (قدس سره):
« وأما الترجيح بالظن، فهو فرع دليل على الترجيح به، بعد سقوط الامارتين بالتعارض من البين، وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه، وإن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته، ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به.
وإن ادعى شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - استفادته من الاخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة، على ما في تفصيله في التعادل والترجيح.
ومقدمات الانسداد في الاحكام إنما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة، لا الترجيح به ما لم يوجب ظن بأحدهما، ومقدماته في خصوص الترجيح لو جرت إنما توجب حجية الظن في تعيين المرجح، لا أنه مرجح إلا إذا ظن أنه - أيضا - مرجح، فتأمل جيدا. هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل.
وأما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس، فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح، فيما لا يكون لغيره أيضا، وكذا فيما يكون به أحدهما، لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة - بعد المنع عنه - لا يوجب خروجه عن تحت دليل حجيته، وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية، وهكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين، وذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأسا، وعدم جواز استعماله في الشرعيات قطعا، ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها، كما لا يخفى، فتأمل جيدا.»[1]
وحاصل ما افاده:
ان مقتضى الاصول في الامارتين المتعارضتين التساقط، وهو الجاري في الخبرين المتعارضين ومعناه انه بالتعارض يسقط كل واحد منها بخصوصه عن الحجية، وان كان احدهما غير المعين حجة بحسب الواقع ولا اثر لحجيته الا نفي الثالث.
والترجيح بالظن لاحدهما يتوقف على قيام الدليل على الترجيح به، ولم يقم دليل على اعتبار الترجيح بالظن غير المعتبر بخصوصه.
ثم انه ذكر وجوهاً ثلاثة ربما يستدل بها على اعتبار الترجيح به.
الاول: ما نقله عن الشيخ (قدس سره) قال في الرسائل.
« الثالث: ما يظهر من بعض الأخبار، من أن المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع، سواء كان لمرجح داخلي كالأعدلية مثلا، أو لمرجح خارجي كمطابقته لأمارة توجب كون مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر:
فمنها: ما دل على الترجيح بالأصدقية في الحديث كما في مقبولة ابن حنظلة، فإنا نعلم أن وجه الترجيح بهذه الصفة ليس إلا كون خبر الموصوف بها أقرب إلى الواقع من خبر غير الموصوف بها، لا لمجرد كون راوي أحدهما أصدق، وليس هذه الصفة مثل الأعدلية وشبهها في احتمال كون العبرة بالظن الحاصل من جهتها بالخصوص، ولذا اعتبر الظن الحاصل من عدالة البينة دون الحاصل من مطلق وثاقته، لأن صفة الصدق ليست إلا المطابقة للواقع، فمعنى الأصدق هو الأقرب إلى الواقع، فالترجيح بها يدل على أن العبرة بالأقربية من أي سبب حصلت....[2]»
الثاني: جريان مقدمات الانسداد لاعتبار الظن في الترجيح
وهو ان مقدمات الانسداد الجارية في الاحكام الكلية تكون نتيجتها اعتبار الظن مطلقاً، بلا فرق بين ان يكون متعلقاً بالحكم او بالحجة او بترجيح حجة علي اخرى.
واجاب عنه:
بان مقدمات الانسداد انما تقتضي اعتبار الظن بالحكم كالوجوب والحرمة او بالطريق كالظن بحجية الاجماع او الشهرة واما الظن بترجيح حجة على اخرى فلا تقتضي هذه المقدمات اعتباره
الثالث: جريان مقدمات الانسداد في خصوص المرجحات.
وتقريبه: ان مقدمات الانسداد انما تجري في خصوص المرجحات.
بان نقول: انا نعلم اجمالاً بصدور مرجحات في مقام تعارض الخبرين من ناحية الشارع وانسداد باب العلم والعلمي بها، ولايجوز الاهمال فيما بعد تنجيزها بالعلم، ولايمكن الاخذ بالاحتياط في موردها لعدم امكان العلم الاجمالي المذكور والمفروض قبح ترجيح المرجوح فلا محالة تكون النتيجة اعتبار الظن في مقام الترجيح.
قال الشيخ (قدس سره):
«... لأن التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت، لأن التخيير في جميع الموارد وعدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من الموارد، لأنا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة وطرح بعضها معينا، والمرجحات المنصوصة في الأخبار غير وافية، مع أن تلك الأخبار معارض بعضها بعضا، بل بعضها غير معمول به بظاهره، كمقبولة ابن حنظلة المتضمنة لتقديم الأعدلية على الشهرة ومخالفة العامة وموافقة الكتاب. وحاصل هذه المقدمات: ثبوت التكليف بالترجيح، وانتفاء المرجح اليقيني، وانتفاء ما دل الشرع على كونه مرجحا، فينحصر العمل في الظن بالمرجح، فكل ما ظن أنه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به، وإلا لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظن من المتعارضين أن الشارع رجح غيره عليه، والأول مستلزم للعمل بالتخيير في موارد كثيرة نعلم بوجوب الترجيح، والثاني ترجيح للمرجوح على الراجح في مقام وجوب البناء - لأجل تعذر العلم - على أحدهما، وقبحه بديهي، وحينئذ: فإذا ظننا من الأمارات السابقة أن مجرد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به.[3]»
واجاب عنه صاحب الكفاية (قدس سره):
اولاً: بعدم الالتزام بجريان مقدمات الانسداد في خصوص الترجيح لعدم تماميتها في مورده.
وثانياً: ان مجرى هذه المقدمات، المرجحات المعلومة اجمالاً وما يتصف بالاعتبار بمقتضاها هو الظن بتعين المرجحات المعلومة اجمالاً، فلو حصل له الظن بان الشهرة مرجحة للخبر لثبت به مرجحية الشهرة للخبر، ولكنه لايثبت بالمقدمات المذكورة ان للظن المرجحية وانه تثبت الحجية للخبر الموافق للظن.
وفيما افاده (قدس سره) في المقام تعريض لما حققه الشيخ (قدس سره) فيما نقلناه شائعاً بقوله:
«وحينئذ: فإذا ظننا من الأمارات السابقة أن مجرد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به»
وقد افاد (قدس سره) في اخر كلامه:
نعم لوجرت مقدمات الانسداد في خصوص مرجحية الظن، والاقربية فانما يعتبر الظن او الاقربية بعنوان المرجح.
ثم انه (قدس سره) التزم بعدم مرجحية الظن القياس ببيان ان الادلة الناهية عن القياس تقتضي الغاء القياس راساً من ناحية الشارع، وعدم جواز استعماله في الشرعيات وترجيح احد الخبرين به استعمال له.
هذا ثم ان الشيخ (قدس سره) افاد في مقام الاستدلال لمرجحية مطلق الظن.
ان الترجيح بالاصدقية ليس الا كون الخبر الموصوف بها اقرب من الواقع الخبر الغير الموصوف بها، لا لمجرد كون راوي احدهما اصدق.
وليس هذه الصفة مثل الاعدلية وشبهها في احتمال كون العبرة بالظن الحاصل من جهتها بالخصوص، ولذا اعتبر الظن الحاصل من عدالة البينة دون الحاصل من مطلق الوثاقة.
لان صفة الصدق ليس الا المطابقة للواقع فمعنى الاصدق هو الاقرب الى الواقع والترجيح بها يدل على ان العبرة بالاقربية من اي سبب حصلت.
وكذا مثل مادل على ترجيح اوثق الخبرين، فان معنى الاوثقية شدة الاعتماد عليه، وليس الا لكون خبره اوثق، فاذا حصل هذا المعنى في احد الخبرين من مرجح خارجي اتبع.
وكذا فيما دل الترجيح بالشهرة والتعليل فيها بان المجمع عليه لاريب فيه، يدل على رجحان كل خبر يكون نسبته الى معارضه مثل نسبة الخبر المجمع على روايته الى الخبر الذي اختص برواية بعض دون بعض.
ومثله تقديم الخبر المخالف للعامة على الموافق بان ذلك لايحتمل الا الفتوى، و هذا يحتمل التقية.
وكذا كثير من المرجحات الراجعة الى وجود احتمال في احدهما مفقودٍ علماً او ظناً في الاخر.
وافاد (قدس سره) في نهاية الامر:
« والحاصل: أن تعليل الأخذ بخلاف العامة في هذه الروايات بكونه أقرب إلى الواقع - حتى أنه يجعل دليلا مستقلا عند فقد من يرجع إليه في البلد - ظاهر في وجوب الترجيح بكل ما هو من قبيل هذه الأمارة في كون مضمونه مظنة الرشد، فإذا انضم هذا الظهور إلى الظهور الذي ادعيناه في روايات الترجيح بالأصدقية والأوثقية، فالظاهر أنه يحصل من المجموع دلالة لفظية تامة.
ولعل هذا الظهور المحصل من مجموع الأخبار العلاجية هو الذي دعا أصحابنا إلى العمل بكل ما يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر، بل يوجب في أحدهما مزية مفقودة في الآخر ولو بمجرد كون خلاف الحق في أحدهما أبعد منه في الآخر، كما هو كذلك في كثير من المرجحات. »
ثم افاد (قدس سره):
«... فإن لم يبلغ المجموع حد الحجية فلا أقل من كونها أمارة مفيدة للظن بالمدعى، ولا بد من العمل به، لأن التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت، لأن التخيير في جميع الموارد وعدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من الموارد، لأنا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة وطرح بعضها معينا، والمرجحات المنصوصة في الأخبار غير وافية، مع أن تلك الأخبار معارض بعضها بعضا، بل بعضها غير معمول به بظاهره، كمقبولة ابن حنظلة المتضمنة لتقديم الأعدلية على الشهرة ومخالفة العامة وموافقة الكتاب.
وحاصل هذه المقدمات: ثبوت التكليف بالترجيح، وانتفاء المرجح اليقيني، وانتفاء ما دل الشرع على كونه مرجحا، فينحصر العمل في الظن بالمرجح، فكل ما ظن أنه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به، وإلا لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظن من المتعارضين أن الشارع رجح (يرجح) غيره عليه »[4]
ومحصل ما افاده (قدس سره) اعتبار الظن في المرجحية، بل انحصار العمل في المتعارضين في الظن بالمرجح.
ولكنه بعد هذا البيان افاد (قدس سره) بما حاصله:
ان ما كان من المتعارضين من قبيل النص والظاهر كالعام والخاص مما لا يحتاج الجمع بينهما الى شاهد فالمرجح فيه معلوم من العرف.
وما كان من قبيل تعارض الظاهرين كالعامين من وجه مما يحتاج الجمع فيها الى شاهد واحد، فالوجه فيه، عدم الترجيح الا بقوة الدلالة لا بمطابقة احدهما لظن خارجي غير معتبر، ولذا لايحكم فيه بالتخيير مع عدم ذلك الظن، بل يرجع فيه الى الاصول والقواعد.
وهذا كاشف عن ان الحكم فيهما ذلك من اول الامر التساقط لاجمال الدلالة.
وما كان من قبيل المتباينين مما لايمكن الجمع بينهما الا بشاهدين، وهو المتيقن من مورد وجوب الترجيح بالمرجحات الخارجية فهو على قسمين:
1 – ما يمكن الرجوع فيه الى اصل او عموم من كتاب او سنة مطابق لاحدهما.
فيرجع فيه اليها، وان كان الخبر المخالف مطابقاً لامارة خارجية.
وذلك لان العمل بالعموم والاصل يقيني لا يرفع اليد عنه الا بوارد يقيني، وبما ان الترجيح بالظن غير ثابت شرعاً، فلا وارد على العموم والاصل.
2 – ما لا يمكن الرجوع فيه الى الاصول، وهذا اقل قليل بين المتعارضات ولامحذور في الالتزام بالتخيير فيه.
نعم الاحتياط يقتضي الاخذ بما يطابق الظن خصوصاً مع ان مبنى المسألة على حجية الخبر من باب الظن غير مقيد بعدم الظن الفعلي على خلافه.
ثم افاد بعد ذلك بما يظهر منه نحو من التردد فيه وقال:
«... والدليل على هذا الاطلاق مشكل، خصوصا لو كان الظن المقابل من الشهرة المحققة أو نقل الإجماع الكاشف عن تحقق الشهرة، فإن إثبات حجية الخبر المخالف للمشهور في غاية الإشكال وإن لم نقل بحجية الشهرة، ولذا قال صاحب المدارك: إن العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل، وموافقة الأصحاب من غير دليل أشكل.
وبالجملة: فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير، وأما في مقابل العمل بالأصل: فإن كان الأصل مثبتا للاحتياط - كالاحتياط اللازم في بعض الموارد - فالأحوط العمل بالأصل، وإن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة والاستصحاب النافي للتكليف، أو مثبتا له مع عدم التمكن من الاحتياط كأصالة الفساد في باب المعاملات ونحو ذلك، ففيه الإشكال.»[5]
وما افاده (قدس سره) غاية التحقيق في المقام، ولا كلام فيه الا بالنسبة الى قلة موارد القسم الثاني خصوصاً مع ضمه الى موارد تعارض الظاهرين بالعامين من وجه، والالتزام فيه بالتساقط، فان عمدة موارد التعارض لا يخلو منهما، والالتزام بالتخيير في الاول والتساقط في الاخير مع موافقة احد الخبرين لامارة ظنية، ولو غير معتبرة في غاية الاشكال خصوصاً اذا قلنا بان موضوع ادلة الاعتبار لخبر الموثوق به، وكان عمدة الوجه فيه السيرة العقلائية، وتمام البحث في التعادل والترجيح هذا تمام الكلام في مباحث الظن والحمدالله اولاً وآخر.
[1]. كفاية الصول، ص333.
[2] فرائد الاصول، ج1، ص610-611.
[3] فرائد الاصول، ج1، ص617.
[4] فرائد الاصول، ج1، ص616-617.
[5] فرائد الاصول، ج1، ص619.