بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و پنج
اما المكاسب: قال فيه الشيخ (قدس سره):
« وأما المكاسب فظاهر إطلاق الفتاوى عدم اشتراط البلوغ فيها، فعن المنتهى - في فروع مسألة الكنز - : " الثالث : الصبي والمجنون يملكان أربعة أخماس الركاز، والخمس الباقي لمستحقيه، يخرج الولي عنهما عملا بالعموم. وكذا المرأة... لنا ما تقدم من أنه اكتساب وهما من أهله ". فإن هذا الدليل ظاهر في أن عليهما خمس كل ما يحصل باكتسابهما.
والحاصل : أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز والمعدن والغوص، بأنها اكتسابات، فتدخل تحت الآية، ثم تعميمهم الوجوب فيها للصبي والمجنون، ثم دعواهم الاجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات، عدم الفرق في أرباح المكاسب بين البالغ وغيره، فتفطن. ويدل عليه إطلاق بعض الأخبار - أيضا - مثل موثقة سماعة - وقبله ابن أبي عمير - عن أبي عبد الله عليه السلام عن الخمس قال : " في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير ".
وقد ادعى في المناهل: ظهور إطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماع في ذلك. بل قيل : إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة، وإهمالهم هنا، كالصريح في [ عدم ] اشتراطه هنا، فربما كان إجماعا. وهو حسن.
ومن العجب أن هذا القائل رجح أخيرا اشتراط الكمال، لعمومات ما ورد في الزكاة من أنه " ليس في مال اليتيم والمال الصامت والدين شئ وقوله عليه السلام : " ليس في مال المملوك شئ " في غير واحد من الأخبار.
[ ولا يخفى على الناظر فيها اختصاصها بالزكاة.
وأعجب من ذلك أنه جعل سقوط الخمس عن غير البالغ في المال المختلط أظهر، لورود دليله على وجه التكليف.
مع أنك قد عرفت أنه لو قلنا : باختصاص الخمس مطلقا بالبالغ لا بد من استثناء هذا القسم منه، لأنه في الحقيقة إخراج بدل مال الغير الذي يجب أن يخرج من مال الصغير والكبير ].
وربما يتوهم دلالة الآية الشريفة على المطلوب بضميمة الأخبار المعممة للغنيمة لمطلق الفائدة من جهة إطلاق الاغتنام فيها لما قبل البلوغ وما بعده، وإن كان التكليف بالخمس متعلقا به بعد البلوغ، فإن أسباب التكليف لا يعتبر وقوعها حال التكليف [وقوعها قبل البلوغ].
وهو فاسد، لأن الظاهر من الآية إنشاء هذا الحكم - أعني السببية المستفادة من الموصول المتضمن لمعنى الشرط بقرينة الفاء - للبالغين -، لا إنشاء حكم الجزاء بالنسبة إلى من يتحقق منه الشرط من البالغين.
نعم، لو استفيد من الآية سببية أصل الغنيمة لتعلق الخمس لا الغنيمة الحاصلة لخصوص المخاطب البالغ، أمكن الاستدلال بها كما هو ظاهر كل من يستدل من الفقهاء بهذه الآية على وجوب الخمس في الكنز والمعدن والغوص، مع اتفاقهم على عدم اختصاص الحكم فيها بالبالغين.
إلا أن يقال : لعل مستندهم في أصل الحكم الآية، وفي عمومه لغير البالغين الأخبار. وهو مناف لما عرفت من استدلال المنتهى.»[1]
وحاصل ما افاده (قدس سره):
ان المستفاد وجوب الخمس في الكنز والمعدن، والغوص في كلمات الاعلام منهم العلامة في المنتهى وجوب الخمس فيها بما هي اكتسابات، وعليه، فتدخل تحت الاية.
ومن طرف آخر انهم التزموا بتعميم الوجوب للصبي والمجنون في كلماتهم.
وايضاً ادعوا الاجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات.
والمستفاد من جميع ذلك: عدم الفرق في ارباح المكاسب بين البايع، وغيره مضافاً الى انه (قدس سره) استدل باطلاق بعض الاخبار نظير موثقة سماعة بقوله (عليه السلام) لما سئل عن الخمس: في كل ما افاد الناس من قليل اوكثير.[2]
وضَمَّ اليه ـ ولعله بعنوان التأييد ـ ما ادعاه في المناهل من ظهور اطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات في ذلك.
وكذا قول صاحب المناهل بان تصريح الاصحاب باشتراط الكمال في الزكاة واهمالهم لاشتراطه في الخمس كالصريح في عدم اشتراطه هنا، وانه ربما كان اجماعاً هذا والظاهر ان ما افاده (قدس سره) في مقام اللاستدلال قابل للنقد.
لان كلمات الاعلام مع عدم تعنون المسألة في كتب قدماء الاصحاب لاتنفع في مقام الاستدلال لعدم ثبوت اجماع بها بل الشهرة.
وقد مر ما في الاستدلال باطلاقات الاخبار وعموماتها من انها في مقام بيان تشريع الخمس في موارده وفي خصوص الموثقة ـ موثقة سماعة ـ في مقام بيان تعلق الخمس بالفائدة قليلاً اوكثيراً ولا نظر في العموم بالنسبة الى شرائط ما تحصل له الفائدة خصوصاً بقرينة قوله من قليل او كثير.
وما افاد صاحب المناهل ليس اكثر من اجتهاد من قبله مع انه رجع عن ذلك، ولايقتضي ما افاده ما ادعاه من الاجماع، ولو انه افاد ربما كان اجماعاً.
وقال السيد الخوئي:
« وكيفما كان فالظاهر أن المشهور هو ثبوت الخمس مطلقا، إما في هذه الثلاثة فقط أو في الجميع . ولكنه غير ظاهر لما أسلفناه في بعض المباحث السابقة من أن المستفاد مما دل على رفع القلم عن الصبي والمجنون استثناؤهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عليهما بتاتا كالبهائم فلا ذكر لهما في القانون، ولم يجر عليهما شئ .
ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترتفع عنهما الأحكام برمتها بمناط واحد . وهو الحكومة على الأدلة الأولية.
اللهم إلا إذا كان هذا الرفع منافيا للامتنان بالإضافة إلى الآخرين كما في موارد الضمانات، أو ورد فيه نص خاص كموارد التعزيرات الموكول تحديدها إلى نظر الحاكم .
أما فيما عدا ذلك فلم نعرف أي وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف بعد اطلاق الدليل، بل يعم الوضع أيضا.
وعليه فلا خمس في مال الصبي أو المجنون، كما لا زكاة فإن النص الخاص وإن لم يرد في المقام كما ورد في باب الزكاة إلا أنه يكفينا حديث رفع القلم بعد ما عرفت من شموله للوضع كالتكليف، فلو كان هناك عموم أو اطلاق يشمل مال الصبي لم يكن بد من الخروج عنه بمقتضى هذا الحديث .
وهذا هو الصحيح كما قواه في المدارك وإن كان المشهور هو الوجوب . ولا فرق فيما ذكر بين الثلاثة المتقدمة وبين غيرها كأرباح المكاسب لوحدة المناط .»[3]
وما حققه متين تام الا ان ما افاده من ان المشهور هو الوجوب انما هي الشهرة بين المتاخرين وربما المتوسطين دون قدماء الاصحاب.
والتزم بعدم وجوب الخمس للصبي والمجنون في جميع هذه الموارد الشيخ محمد رضا آل ياسين من اعلام محشي العروة حيث افاد بعد قول صاحب العروة: (وفي تعلقه بارباح مكاسب الطفل اشكال)
« وكذا تعلقه بغيرها مما يجب فيه الخمس بل لعل العدم لا يخلو عن وجه في الجميع .»[4]
ثم ان بالنسبة الى خصوص الحلال المختلط بالحرام لايجري مامر من عدم وجوب الخمس للصبي في موارده، وذلك لان بعض المال لا يكون للصبي في المال المختلط،، فيلزم اخراج ماقدر من الحرام بالخمس على وليه، ولايجوز للولي التصرف فيه قبل التخميس.
ولايشمل المورد حديث رفع القلم عن الصبي لان اخراج مال الغير تخليص للحلال عن الحرام وليس من الايقاع في المشقة ليرتفع عن الصبي، بل تقدير الحرام بمقدار الخمس حكم امتناني على العباد كمامر البحث فيه.
[1] الشيخ الانصاري، كتاب الخمس، ص274-276.
[2] سائل الشيعة، ج9، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، ص503، الحديث12584/6.
[3] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص304-305.
[4]العروة الوثقي(المحشي)، ج4، ص304.