بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفده
هذا مع انه احتمل صاحب الجواهر (قدس سره) وقواه الشيخ بان موضوع وجوب الخمس عند ارادة التعجيل تخمين المؤونة وظنها وان لم يصادف الواقع، وهو ظاهر في اخذ التخمين والظن على نحو الموضوعية دون الطريقية.
ويكن النظر فيه: بانه ليس لنا بالنسبة الى اخراج المؤونة الا ما ورد بلسان «بعد مؤونته ومؤونة عياله» او قوله (عليه السلام): «ان امكنه الى بعد مؤنته»، وقد مر ان ظاهرها تقييد ما دل على وجوب خمس ألارباح بان يكون بعد المؤونة، ومر ان المؤونة هي المؤونة الفعلية اي ما يصرف، وكأن ادلتها هي المستند الاصلي لاعتبار السنة في اخراج الخمس كما مر البحث عنه. وعليه فما وجه موضوعية التخمين والحدس والظن في المؤونة لوجوب الخمس؟
نعم، لا مانع من اخراج الخمس في اي وقت من سنة الربح كما انه لا مانع من تخمين المؤونة وظنه واخراجها بحسبه عند دفع الخمس، ولكن جواز ذلك لا يوجب موضوعية الحدس او التخمين فيها لوجوب الخمس واقعاً، ولا يخرج الموضوع الواقعي بالتخمين عن كونه واقعياً، بل بقى عنوان الربح بعد كسر المؤونة الفعلية باق على موضوعيته، ومع فرض بقائه، فانه يحاسب التخمين بالنسبة اليه فربما زاد ما ظنه عن ما صرفه و ربما ينقص، فاذا زاد ما ظنه عما صرفه فعلاً فهل يلتزم بعدم تعلق الخمس بما زاد عنه؟
فالامر كذلك عند ما نقص عما صرفه، وبالجملة انه لا وجه ولا دليل لكون التخمين او الحدس في المؤونة موضوعاً لاخراج الخمس، بل الموضوع باق على واقعه، وهو المتعلق لوجوب الخمس واقعاً وهو ما يحاسب النقص والزيادة في مقام التخمين بالنسبة اليه.
ثم ان صاحب العروة (قدس سره) بعد ان افاد بان المكلف اذا اخرج الخمس بعد تقدير المؤونة – تعجيلاً – بمايظنه، فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمساً قال:
«فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده الا اذا كان عالماً بالحال، فان الظاهر ضمانه حينئذٍ.»[1]
اما مع بقاء العين:
فالظاهر ان وجهه ان ما في يد الآخذ عين مال الدافع، والمفروض عدم خروجها عن ملكه بالدفع لعدم كونه خمساً واقعاً، و الدافع انما دفعه بعنوان الخمس، فبان عدم كونه كذلك، فلا وجه لانتقال الملكية، بل كانت العين باقية على ملك الدافع، فيرجع الى ملكه. واما مع تلف العين: فان كان الآخذ عالماً بالحال بان علم ان ما اخذه ليس خمساً، وان الدافع توهم ذلك، ومع ذلك تلفت العين في يده. فلا شبهة في ضمانه، بمقتضى قاعدة اليد، «فان على اليد ما اخذت حتى توديه»، لان مع علمه بالحال لم تتنتقل العين اليه، بل كانت باقية على ملك مالكه، ولم يقع في العين ما يوجب انتقاله. فللدافع الرجوع اليه بالقيمة.واذا لم يكن عالماً بالحال، فانه بعد تبين عدم كون المأخوذ خمساً، وان لم ينتقل المال الى ملكه، فاخذه بلا سبب مملك، وكان المال باقياً على ملك مالكه واقعاً، وان العين تلفت في يده الا ان صاحب العروة (قدس سره) التزم بعدم ضمانه لعدم جريان قاعدة اليد في مورده، و وجه عدم جريانه وجود مانع، وهو لانه مع جهله بالحال، واخذه وتلفه بعنوان انه ماله مغرور، والمغرور لاضمان عليه، بل هو يرجع الى من غرّه، ومن غرّه هو الدافع، لانه استعملها بعنوان المجّان، او بان له صرفه في معاشه، فصرفه وتلفت العين، فهو كمن دفعه احد طعاماً لياكله فاكله، فانه ليس له الرجوع اليه باي عنوان ولو بانه اشتبه عليه الامر واخطأ في مقام التطبيق وكان غرضه دفعه لغيره فالوجه لعدم ضمان الجاهل بالحال كونه مغروراً من قبل الدافع، وهذا يمنع عن ضمان اليد. هذا ثم ان هذه المسألة مذكورة في كتاب الزكاة ايضاً.
قال هناك: في اصناف المستحقين:
«مسألة 33: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثم تبين له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية وأما إذا شك في وجوبها عليه وعدمه فأعطى احتياطا ثم تبين له عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع وإن كانت العين باقية»[2]
قال المحقق العراقي (قدس سره) في ذيل قوله: اذا اعتقد وجوب الزكاة عليه ... . جاز له الاسترجاع اذا كانت العين باقية:
«بل مطلقا اذا لم يعلم الاخذ بخطأ المعطي، فانه حينئذ يمكن دعوى عدم ضمانه لقاعدة الغرر الشاملة لجهل الغار بالمورد ايضاً.»
وظاهره عدم ثبوت الضمان للاخذ حتى مع عدم تلف العين وبقائها في يده لقاعدة الغرور. وعليه فان الضمان في صورة بقاء العين متوقف على شمول قاعدة الغرر للمورد، وهذا لا يلتزم به صاحب العروة وغيره من اعلام المحشين بلا فرق في ذلك بين الزكاة والخمس.
نعم، ان المحقق العراقي لا يقول بذلك في كتاب الخمس، مع ان الظاهر عدم الفرق بين الامرين في هذه الجهة.
والتزم السيد الخوئي (قدس سره) في كتاب الزكاة فيما اذا شك الدافع في وجوب الزكاة عليه وعدمه فاعطى احتياطاً ثم تبين له عدمه، انه ليس له الاسترجاع حتى مع بقاء العين، وفاقاً لصاحب العروة (قدس سره)، وافاد بانه يلحق به في الحكم – اي عدم الاسترجاع – ما لو شك في الاداء وبعد الدفع احتياطاً علم انه كان مؤدياً.
وافاد في وجهه:
«نظراً الى انبعاث الاداء عن احتمال الامر ورجاء المطلوبيّة، وهو بنفسه عمل قربي عبادي صادر لوجه الله اصاب الواقع ام لا، بل من اعلي مراتب الانقياد والامتثال، لانبعاثه عن مجرد الاحتمال، وقد دلّت جملة من الاخبار علي ان ما كان لله فلا رحبة فيه.
كقوله (عليه السلام) في موثقة الحسين بن علوان: «... لم يرجع في الامر الذي جعله لله.»[3]
وقوله (ع) في موثقة عبيد بن زرارة: «... ولا ينبغي لمن أعطي شيئاً لله عزوجل ان يرجع فيه.»[4] ونحوها غيرها.
ويمكن ان يقال: ان في المورد ان المعطي انما دفع العين – بلا فرق بين كونها زكاة او خمساً – بعنوان الخمس او الزكاة، وكلاهما عمل قربي يتوقف على صدوره قربياً، وعليه فهل يمكن الاستدلال بهذه الاخبار لعدم جواز الاسترجاع حتى مع بقاء العين؟.
افاد السيد الخوئي (قدس سره) في مقام الجواب:
«ومنه يظهر الفرق بين المقام وبين الصورة السابقة، ضرورة أنّ الدفع ثَمّة كان مستنداً إلى اعتقاد الأمر وتخيّل ثبوته واقعاً فانكشف عدمه . وأمّا في المقام فالمحرّك والمقرّب هو احتمال الأمر لا واقعة، وهذا ليس له انكشاف الخلاف، بل قد صدر لله ولا ينقلب عمّا وقع عليه، وفي مثله لا رجعة فيه حسبما عرفت»[5].
وهذا الصورة جارية عيناً في باب الخمس بان دفع العين بعنوان الاحتياط حيث شك في وجوب الخمس وعدمه او شك في الاداء وبعد الدفع احتياطاً علم انه كان مؤدياً.
[1] العروة الوثقى (المحشي)، ج4، ص301. .
[2]العروة الوثقى (المحشي)، ج4، ص123.
[3] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج9، الباب 24 من أبواب الصدقة، ص422، ح12385/1.
[4] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج19، الباب 10من كتاب الهبات، ص243، ح24507/1.
[5] السید الخوئي، شرح العروة الوثقی(في ضمن موسوعة السید الخوئی) ج24، ص132.