بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پانزده
واما المقصر وهو الذي كان عجزه عن تحصيل العلم مستنداً الى التقصير في الاجتهاد من اي سبب كان، ولو لاجل حب سيرة الآباء والسلف.
ثم ان صاحب الكفاية افاد في مقام الجواب عن شبهة عدم وجوب القاصر في اصول دين، بالاستدلال بقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا}[1] بتقريب:
ان مقتضى هذه الآية الشريفة، ان من جاهد في سبيله تعالى في تحصيل المعرفة به تعالى ورسله واوليائه (عليهم السلام) فقد هداه الله وجعل له مخرجاً. ومن لم يجاهد في هذا السبيل فهو ضال.
فحاصل مدلول الآية: ان المكلف اما عالم مؤمن وهو الذي يجاهد في سبيل ربه لتحصيل المعرفة فهو هاد، واما جاهل مقصر وهو ضال، لانه ترك المجاهدة في سبيل تحصيل المعرفة. وعليه فلا معنى لتصوير القاصر اي الجاهل القاصر في سبيل تحصيل العلم، ولا وجود له.
فاجاب صاحب الكفاية (قدس سره):
ان المراد بالمجاهدة في الآية الشريفة هو جهاد النفس دون الاجتهاد والنظر في المسائل العقائدية المحتاجة الى امعان النظر، وجهاد النفس هو الجهاد الاكبر وهو السعي في تخلية النفس عن الرذائل وتلبسها بالفضائل هذا مع انه لو كان المراد من المجاهدة الاجتهاد والنظر لاستلزم اصابتها الى الواقع دائما بمقتضى ذيل الآية:{... لنهدينهم سبلنا}، مع انا نعلم ان الاجتهاد لا يؤدي دائماً الى الهداية، بل ربما يؤدي الى الجهالة والضلالة، الا ان تشمله عناية الرب وهدايته ومثّل (قدس سره) في الاجتهاد المؤدي الى الضلالة كونه بصدد تطبيق الحق على طريقة الآباء.
ثم افاد (قدس سره) بانه فيما يجب معرفته عقلاً او شرعاً – وهو القسم الثاني من الامور الاعتقادية عنده – لا يقوم الظن مقام العلم، لان العقل لا يستقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم. لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوب تحصيل الظن بعد فقد العلم، بل استقلاله بعدم جوازه.
وذلك لما مر في القسم الاول ان الامور الاعتقادية، يمكن الالتزام بها وعقد القلب فيها، والانقياد بما هو واقعها. وعليه فانه مع عدم القطع لاحاجة الى التنزل الى الظن بخلاف المسائل الفرعية عند انسداد باب العلم حيث يقوم الظن مقام العلم. لانه ليس الزام فيها بالاعتقاد والالتزام بالواقع بما هو مظنون، بل يكفي الانقياد بها بما هو واقع.
وكذا انه ليس لنا دليل من الشرع على وجوب المعرفة بما لا يحصل لنا العلم بمعرفته. بل الدليل على خلافه، لان الادلة الدالة على النهي عن اتباع الظن انما يدل على عدم لزوم تحصيل الظن بها بعد فرض فقد العلم، بل يدل على عدم جوازه، لانه تعبد بما نهى عن التعبد به ولذلك يعبر عن هذه الادلة بالادلة الدالة على حرمة العمل بالظن.
وبالجملة ان محصل ما افاده هنا ان ما يستدل به اعتبار الظن عند فقد العلم وانسداد بابه في الامور الاعتقادية نظير ان المعرفة الظنية معرفة و لو كانت ادنى درجة، فيلزم اعتبارها عند عدم التمكن من المعرفة العلمية، او ان العقل يستقل باعتبار الظن في مقام المعرفة عند انسداد باب العلم، او دلالة الادلة الشرعية على اعتبار الظن فيها غير تام لايمكن الاستناد اليها في اعتبار الظن.
والعمدة في مقام الجواب انه ليس الظن في المقام كالظن في المسائل الفرعية من حيث قيامه مقام العلم، وعمدة الوجه فيه ان المسائل الفرعية لا مناص من الامتثال بحكم العقل، وبعد عدم التمكن من الامتثال العلمي تصل النوبة الى الامتثال الظني تفريغاً لاشتغال الذمة بها من ناحية العلم الاجمالي بوجود احكام في الشريعة.
واما في الامور الاعتقادية، فانه بعد عدم التمكن من تحصيل العلم بها فهو معذور ولايثبت في المقام دليل على لزوم سلوك الطريق الى واقع الامر في الاعتقاديات الارجح فالارجح كما هو الحال في الاحكام الفرعية فاذا يتمكن من العلم به وصلت النوبة الى ما دون العلم من الطريق الارجح، فالارجح من الاحتمالات.
والفرق الاساسي هو ان بعد عدم التمكن من العلم في الاعتقاديات يكفي عقد القلب، والالتزام بها على ما هو عليه في الواقع، ونفس الامر بلا حاجة الى كشفه بالاحتمال الارجح فالارجح، فيلزم تحصيل العلم فيها عند الامكان، ومع عدم امكانه لكان المكلف معذوراً فيه، ويكفي التزامه بها في الجملة .
ثم انه صاحب الكفاية اعاد البحث في المعذور وبين الصور المختلفة للمعذورية مع تاكيده على وجود القاصر في الاعتقاديات وامكان تصوير القصور فيها ومحصل ما افاده هنا:
ان القاصر تارة يكون غافلاً بمعنى انه ليس متوجهاً الى لزوم تحصيل العلم فيها مع انه لو كان ملتفتاً اليها لامكن تحصيل العلم له بالنسبة اليها.
وتارةً ليس غافلاً، بل كان ملتفتاً، ولكنه قاصر من الوصول الى الواقع مع سعيه في طريقه، و جهة قصوره عدم استعداده للوصول الى النتيجة المطلوبة لان الامور الاعتقادية ليست بدرجة من الوضوح حتى يتمكن كل من كان في صدد تحصيل العلم بها واصلاً اليها، و عليه فلا يكون مثله مقصراً في عدم الوصول الى الواقع.
ثم افاد ان القاصر الذي لا يصل الى الواقع لعدم الاستعداد في الاجتهاد تارة يكون منقاداً لما يحتمله واقعاً بان يلتزم به على ما هو في الواقع.
وتارة يعاند ما يحتمله واقعاً، بان ينكره، ولا يلتزم به وان يحتمله.
وتارة لا ينقاد اليه ولا يعانده.
فافاد (قدس سره)، انه لا اشكال في معذرية الغافل محضاً، وكذا في الملتفت اليه الواصل الى الواقع لقلة استعداده مع كونه منقاداً لما يحتمله اي الصورة الاولى من الصور الثلاثة.
واما من لا يكون منقاداً لما يحتمله سواء كان معانداً، او كان بلا تفاوت بالنسبة الى ما يحتمله في الواقع، اي الصورتين الاخيرتين وقد عبر عن هذه الثلاثة بقوله: «لكنه انما يكون معذوراً غير معاقب على عدم معرفة الحق، اذا لم يكن يعانده، بل كان ينقاد له على اجماله لو احتمله.
ثم افاد في نهايته ان بيان حكم الجاهل من حيث الكفر، والاسلام فهو لا يناسب المقام مع ان البحث فيه خارج عن وضع الرسالة. هذا تمام ما حققه صاحب الكفاية (قدس سره) في المقام.
سورةُ العَنكبوت، الآية69. .[1]