بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه ده
وثالثا:
سلمنا قيام الشهرة والإجماع المنقول على عدم الحجية على تقدير الانسداد، لكن المسألة - أعني كون مقتضى الانسداد هو العمل بالظن مطلقا في الفروع دون الأصول - عقلية، والشهرة ونقل الإجماع إنما يفيدان الظن في المسائل التوقيفية دون العقلية .
ورابعا: أن حصول الظن بعدم الحجية مع تسليم دلالة دليل الانسداد على الحجية لا يجتمعان، فتسليم دليل الانسداد يمنع من حصول الظن .
وخامسا: سلمنا حصول الظن، لكن غاية الأمر دخول المسألة فيما تقدم، من قيام الظن على عدم حجية ظن، وقد عرفت أن المرجع فيه إلى متابعة الظن الأقوى.[1]
وما افاده واضح تام لا يحتاج الى مزيد توضيح.
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده الشيخ (قدس سره) من اختيار التصوير الثالث من التصاوير الثلاثة في كلام المحقق الشريف، وهو جريان الانسداد في خصوص الاحكام الفرعية، وكفايته لاعتبار الظن في المسائل المبتلى بها في اصول الفقه، ولا حاجة لاعتبار الظن في هذه المسائل لجريان الانسداد في نفس علم الاصول، ولا في مطلق الاحكام الشرعية سواء كانت فرعية او اصولية تام غير قابل للمناقشة.
و نقول لمزيد من التوضيح:
ان عمدة مسائل اصول الفقه ونتائجها قابلة للاثبات بالسيرة العقلائية من دون حاجة الى الامارات الشرعية ولا نحتاج فيها الى اكثر من عدم الردع الحاصل فيها غالباً.
توضيح ذلك: ان مباحث الالفاظ الشاملة لمباحث الامر والنهي وغيرها من مباحث الظهورات كالمطلق والمقيد، والعام والخاص، وامثالها يكون الاساس فيها اصالة الظهور، وهو اصل عقلائي جرت عليه سيرة العقلاء من التمسك بالظهورات.
وكذلك الامر في كثير من المسائل المبحوث عنها في المباحث الاخرى كالامارات نظير البحث عن حجية القطع ثم البحث في مباحث الظن، فانه قد مر في بحث الخبر الواحد ان موضوع دليل الاعتبار الخبر الموثوق بصدورها عندنا، اوخبر الثقة عند كثير، واعتبار كلا العنوانين قابل للاثبات بالسيرة العقلائية.
وحتى ان بعض مباحث الامارات كالشهرة والاجماع كان البحث عن ادلة كاشفة بمقتضى السيرة العقلائية فيمكن اثبات اعتبارها بها، فضلاً عن مثل اعتبار قول اللغوي و امثاله .
واما المباحث العقلية المستقلة الراجعة الى حسن العدل، وقبح الظلم فهي غير محتاجة في مقام البحث الى اعتبارها بالامارات الشرعية الظنية بلا فرق بين ان يؤخذ اعتبارها من الظنون الخاصة او غيرها.
واما مباحث الاستلزامات العقلية كبحث مقدمة الواجب، وغيرها من المباحث العقلية غير المستقلة فهي ايضاً مباحث عقلية لا سبيل للاستدلال فيها بالامارات الشرعية.
وهكذا بحث انسداد باب العلم سواء التزمنا فيه بالكشف او الحكومة.
واما مباحث الاصول العملية العقلية كالبراءة العقلية والامتثال العقلي والتخيير العقلي، فان الاعتبار فيها ليس مستنداً الى الامارات الشرعية وبالجملة ان ما نحتاج اليه في مقام الاستدلال من الامارات الشرعية مسائل الاصول العملية التعبدية كالبراءة الشرعية والاشتغال الشرعي والتخير الشرعي، والاستصحاب على الاقوى ومباحث التعادل و الترجيح بناء على كون موضوع الاعتبار فيها المرجحات التعبدية كما التزمنا به في مقامه، وفي هذه المباحث ان الظن يتصف بالاعتبار عند انسداد باب العلم بجريان مقدمات الانسداد في الفروع كما حققه الشيخ (قدس سره).
وقد مرّ ان الظن الحاصل منها هو الظن الواقع في طريق استنباط الاحكام الشرعية فيما انه يستلزم الظن بالحكم ويورثه فيتصف بالاعتبار من ناحية مقدمات انسداد باب العلم.
وقد مر ايضاً ان الظن الموضوع لاعتبار بمقتضى جريان مقدمات الانسداد كان اعم من الظن بالحكم او الظن بالطريق، وقد مر البحث فيه مع المحقق صاحب الحاشية (قدس سره) في كلام الشيخ الاعظم في مقامه.
و بالجملة انه لا حاجة في مقام استنباط الاحكام بمقتضى النتائج الحاصلة في المسائل الاصولية الى جريان مقدمات الانسداد في مسائل علم الاصول بخصوصها كما حققه الشيخ (قدس سره).
ومنه ظهر ايضاً انه لا حاجة الى جريان هذه المقدمات في علم الرجال بخصوصه اذا التزمنا باعتبار قول الرجالي من باب انه قول الخبرة، لرجوع اعتباره ايضاً الى السيرة العقلائية الغير المردوعة.
.[1] فرائد الاصول، ج1، ص547 - 548.