بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شش
قال الشيخ: (قدس سره):
و من هنا تبين أن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الأحكام و لا يحتاج إلى تعيين أن اعتبار أقوال أهل الرجال من جهة دخولها في الشهادة أو في الرواية و لا يقتصر على أقوال أهل الخبرة بل يقتصر على تصحيح الغير للسند و إن كان من آحاد العلماء إذا أفاد قوله الظن بصدق الخبر المستلزم للظن بالحكم الفرعي الكلي.[1]
وحاصل نظره:
انه بناء على انسداد باب العلم في الاحكام فلا محالة تثبت الحجية للظن وهذه حجية تشمل الظنون الرجالية الحاصلة من اقوال الرجاليين، لان الظن الحاصل من قوله يقع في سبيل استكشاف الحكم الشرعي وهذا واضح.
بناءً عليه فانه لا يلزم الاقتصار في الرجال على قول الخبرة والبحث في اعتبار الرجالي من جهة انه شهادة او رواية، بل يفيد في هذا المقام الظن الحاصل من قول واحد من العلماء اذا افاد الظن بوثاقة الراوي كتوثيق المتاخرين او المعاصرين وتصحيح السند من ناحيته.
ولكنه يلزم التنبيه على انه لو فرض كفاية اقوال الرجاليين شهادة او رواية لتصحيح اسناد الروايات على حد يستكشف بها جل الاحكام يلزم التحقيق في تصحيح اعتبار قول الرجالي من حيث انه شهادة او رواية.
وكذا الكلام اذا حصل من التتبع في الرجال الوقوف على اقوال اهل الخبرة الموجبة لتصحيح اسناد الروايات الدالة على جل الاحكام اي كفاية اقوالهم لاثبات الاحكام المذكورة، لزم ذلك من جهة مامر في كلام الآخوند فيما ذكره من التنبيه على لزوم تقليل الاحتمالات المرجوحة من حيث الدرجة في قبال الاحتمالات الراجحة ضرورة انه مع التمكن من كشف الاحتمال الارجح لايتم الاكتفاء بالاحتمال الراجح.
وبعبارة اخرى: اذا استلزم التحقيق في علم الرجال حصول العلم او الظن الاطميناني بوثوق الراوي اي تمييز المشتركات او الوقوف على جهة الصدور لزمنا ذلك، لان معه ينقح باب العلم في الرجال ولو انسد بابه في الاحكام ويتم تصويره بان حصول الظن الاطميناني المعبر عنه بالعلم العرفي يوجب ثبوت وثاقة الراوي علمياً ويصير الخبر خبر ثقة، ولكنه لم يقم دليل خاص من اجماع او غيره على اعتبار خبر الثقة كما هو المفروض في البحث.
وكذلك اذا اوجب ذلك ارتفاع درجة الرجحان في الظن التي يستند اليه في مقام كشف الحكم لزمنا ذلك لما مر من ان نتيجة دليل الانسداد ليس اعتبار مطلق الظن، بل نتيجة اعتبار الاحتمال الراجح، الارجح فالارجح، ولذا اشكلنا في تقسيم الشيخ (قدس سره) من انقسام الامتثال بالعلمي والظني والشكي والاحتمالي، وقلناانه ليس لنا الا قسمان، الامتثال العلمي، والامتثال الاحتمالي، ولكن في الامتثال الاحتمالي يكون موضوع الاعتبار بمقتضى دليل الانسداد الاحتمال الراجح، الارجح فالارجح، وهذا يشمل الاحتمال الراجح البالغ الى ما يعبر عنه بالظن المتاخم للعلم، كما يشمل الاحتمال المرجوح وهو احتمال الحكم المقابل للظن بعدمه، حيث انه لو لا صدور المؤمّن من الشارع لايجوز ترك الاحتمال، بل ان احتمال الحكم منجز ولوضعيفاً الا ان يثبت لنا المؤمّن من ناحيته، فنتيجة دليل الانسداد يشمل اعتبار الاحتمال في جميع هذه الموارد مع زيادة اعتبار الارجحية في جميع المراتب في مقام الامتثال.
هذا كله فيما يتعلق بكلام الشيخ (قدس سره) ايضاحاً واشكالاً.
ثم انه قد افاد الشيخ (قدس سره): و ربما تخيل بعض أن العمل بالظنون المطلقة في الرجال غير مختص بمن يعمل بمطلق الظن في الأحكام بل المقتصر على الظنون الخاصة في الأحكام أيضا عامل بالظن المطلق في الرجال.[2]
واجاب عنه (قدس سره) بقوله:
و فيه نظر يظهر للمتتبع لعمل العلماء في الرجال فإنه يحصل القطع بعدم بنائهم فيها على العمل بكل أمارة.
ثم افاد في مقام الاستدلال عما ذكره في الجواب:
نعم، لو كان الخبر المظنون الصدور مطلقا أو بالظن الاطمئناني من الظنون الخاصة لقيام الأخبار أو الإجماع عليه لزم القائل به العمل بمطلق الظن أو الاطمئناني منه في الرجال كالعامل بالظن المطلق في الأحكام.[3]
واصل الاشكال حسب ما طرحه لا غموض فيه بحسب ظاهره لانه نقل (قدس سره) ما تخيله بعض وهو السيد محمد الطباطبائي المشتهر بالمجاهد في مفاتيح الاصول، بان في خصوص الرجال يعتبر الظن المطلق حتى عند من يري انفتاح باب العلم في الاحكام، وانه يتمكن المكلف من الوقوف على الاحكام بالظنون الخاصة، وعليه فان اعتبار الظن المطلق في الرجال ليس مبنيا على اعتبار الظن المطلق في الاحكام والالتزام بالانسداد فيها.
وحاصل ما افاده في مقام الجواب نفي النسبة، وان المتببع في الرجال انما يصدق ان اصحابنا لا يعملون بمطلق الظن في الرجال مع عدم التزامهم بانسداد باب العلم في الاحكام، ولا يعملون بكل امارة ظنية.
ثم انه (قدس سره) افاد في مقام الاستدراك، انه لو قام الدليل من الاخبار والاجماع على اعتبار الخبر المظنون بالظن مطلق، او قام الدليل على اعتبار الخبر المظنون بالظن الاطميناني، فلا محالة ان الملتزم به يلزمه العمل بالظن المطلق او الظن الاطميناني في الرجال، ويكون حاله كحال القائل بالظن المطلق في الاحكام.
وظاهر كلامه انه اذا كان موضوع دليل الاعتبار الخبر المفيد للظن وان شئت قلت الخبر الذي يظن بصدقه دون خبر الثقة، او الخبر الموثوق صدوره، فان الخبر المذكور حجة حتى في الرجال، ويكون لازمه اعتبار الظن المطلق في الرجال من دون التزام بانسداد باب العلم في الاحكام.
[1]. فرائد الاصول، ج1، ص265.
.[2] فرائد الاصول، ج1، ص265.
[3]. فرائد الاصول، ج1، ص266.