بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و هجده
ان العقل بناءً على مقدمات الانسداد يحكم باعتبار الاحتمال الراجح المسمى بالظن وعدم الاعتناء بالاحتمال المرجوح والموهوم في مقام الامتثال.
وذلك لأن الامتثال الظني يقوم مقام الامتثال القطعي بحكم العقل، وهنا لو ورد من الشارع المنع عن عدم كفاية الامتثال الظني في مورد كالقياس، فإنه ليس للعقل الحكم بقيام الامتثال الظني بمقتضاه مقام الامتثال العلمي فلا يحكم ببرائة ذمة المكلف عن التكليف المنجز عليه بمقتضى مقدمات الانسداد.
ويمكن تنظير المقام بأن في فرض انفتاح باب العلم لا شبهة في حكم العقل بقبح الاكتفاء بالامتثال الظني مع التمكن من الامتثال العلمي، ومع ذلك اذا قام الدليل من الشرع على اعتبار الامتثال الظني في مورد كما في موارد الظنون الخاصة، فإنه لا يحكم العقل بقبح الاكتفاء به، بل صار الامتثال في مقام العمل بمؤداه امتثالاً علمياً.
ومن المعلوم ان اصالة حرمة العمل بالظن عند انفتاح باب العلم لا تشمل موارد اعتبار الشارع الظنون الخاصة، وجواز الاكتفاء به في مقام الامتثال، ولا فرق بين المقام غير ان في فرض الانسداد وحكم العقل باعتبار الامتثال الظني يمنع الشرع عن الاكتفاء بالامتثال الظني في مورد خاص، وفي الثاني يحكم باكتفاء الامتثال الظني مع التمكن من الامتثال العلمي.
وأورد عليه الشيخ (قدس سره):
بأن هنا مقدمة: وهي انه قد مر عند البحث في مذهب ابن قبة ان التعبد بالظن مع التمكن من العلم يكون على وجهين:
1 – على وجه الطريقية بمعنى ان الشارع يرى الظن كاشفاً ظنياً عن الواقع، بحيث لا يترتب على العمل به عدا مصلحة الواقع على تقدير مطابقته له.
2 – على وجه يكون في سلوكه مصلحة يتدارك به مصلحة الواقع الفائتة على تقدير مخالفة الظن للواقع.
وقد مرهناك ان الأمر بالعمل بالظن مع التمكن من العلم على الوجه الاول قبيح جداً، لأنه مخالف لحكم العقل بعدم الاكتفاء في الوصول الى الواقع بسلوك طريق ظني يحتمل الافضاء الى خلاف الواقع.
نعم انما يصح التعبد على الوجه الثاني.
ثم افاد الشيخ (قدس سره): ان الامر فيما نحن فيه كذلك، فإنه بعد حكم العقل بانحصار الامتثال في فرض انسداد باب العلم في سلوك الطريق الظني، فإن نهي الشارع عن سلوك هذا الطريق ان كان:
على وجه الطريقية، بأن نهي الشارع في ظرف انسداد باب العلم عن سلوك هذا الطريق ـ اي القياس ـ من حيث انه ظن يتحمل فيه الخطأ فهو قبيح، لأن معرض لفوات الواقع فينتقض به الغرض.
كما كان يلزم ذلك ـ اي القبح لفوات الواقع وانتقاض الغرض ـ من الأمر بسلوكه على وجه الطريقية عند التمكن من العلم.
لأن حال الظن عند الانسداد من حيث الطريقية حال العلم مع الانفتاح، لا يجوز النهي عنه من هذه الحيثية في الاول، كما لا يجوز الأمر به في الثاني. فالنهي عن الظن القياسي وإن يستلزم خروج العمل به عن الامتثال الذي يكتفى به عند الشارع، الا ان الكلام في جواز هذا النهي منه في فرض الانسداد لما عرفت من استلزامه القبح لايجابه فوات الواقع على حد امكان المكلف الموجب لنقض الغرض، وهو الاهتمام الى التحفظ على التكاليف المعلومة بالاجمال.
وإن كان ـ نهي الشارع ـ
على وجه يكشف النهي عن وجود مفسدة في العمل بالظن القياسي، مفسدة غالبة على مفسدة خلاف الواقع وتركه، فهذا وإن كان جائزاً حسناً يظهر الأمر به على هذا الوجه في فرض الانفتاح، الا انه يرجع الى الوجه الآتي وسيأتي الكلام فيه.
السادس:
ما اختاره الشيخ (قدس سره) سابقاً.
وحاصله: ان النهي الصادر عن الشارع عن الظن القياسي انما يكشف عن وجود مفسدة في العمل بمؤاده، وهذه المفسدة غالبة على المصلحة الموجودة في الحكم الواقعي على فرض اصابة الظن القياسي به.
وعليه، لكان النهي عن القياس في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن الحاصل من اي سبب في فرض انسداد باب العلم، مثل الأمر بسلوك الطرق والامارات الظنية في مقابل حكم العقل بعدم كفاية العمل بالظن في مقام الإطاعة في فرض انفتاح باب العلم، وإن كان ما يقال هناك يلزم القول به في المقام كما مر في كلام صاحب الحاشية (قدس سره).
والاشكال فيه بأن مع الالتزام بالمفسدة في العمل بالظن القياسي فإنه لا يختص به بل هو امر محتمل في العمل بكل واحد من الظنون.
يندفع:
بأنه وإن يحتمل ذلك الا ان هذا الاحتمال لا يوجب الاخلال في حكم العقل بكفاية الامتثال الظني عند انسداد باب العلم، كما ان احتمال وجود المصلحة المتداركة لفوات مصلحة الواقع لا يوجب الاخلال في حكمه بعدم الاكتفاء بالامتثال الظني في فرض انفتاح باب العلم.