بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و پنج
بمعنى ان الظن مع رعاية الاقرب فالاقرب معتبر من أي سبب حصل، بلا فرق بين الاسباب مع التحفظ على ما هو اساس حكم العقل في المقام، من تخصيص الاعتبار في مقام الاطاعة بما هو الأقرب بالواقع.
اما بحسب الموارد:
فإن نتيجة مقدمات الانسداد – بناء على الحكومة – مطلق بالنسبة الى الموارد، فإنه لا تفاوت في اعتبار الظن – اي ما دون العلم – بين الاحكام الواقعة في الابواب المختلفة من الفقه.
نعم، في كلام الشيخ في الرسائل والمحقق الخراساني في الكفاية ما يظهر منه استثناء بعض الموارد، وهو ما كان للشارع فيها مزيد اهتمام كالفروج والدماء والاعراض بل وحقوق الناس. وليعلم ان هذه الموارد – على ما مر في المباحث السابقة ـ ان الشارع لا يرضى بترك واقعه ولو في حال الجهل بالواقع، ومن جملته انسداد باب العلم به.
توضيح ذلك:
ان الاحكام الواردة من الشرع تارة تكون متعلقة لطلب الشارع اذا حصل للمكلف العلم بها، وأما فيما لا يحصل له العلم به، فإنه يرضى الشارع بتركه، والاتيان بما قرره من الوظيفة العملية في حال الجهل بالواقع من الاحكام الظاهرية التي لها الطريقية الى الواقع، وتارة تكون متعلقة لطلب الشارع حتى في حال جهل المكلف بالواقع، وكان ذلك من جهة مزيد اهتمام الشارع بها الموجب لعدم رضائه بتركها في حال، ففي هذه الموارد لا يكفي الاتيان بالحكم الظاهري المفروض كونه طريقاً الى الواقع، لأن الاحكام الظاهرية ليست دائم المطابقة للواقع، بل غالب المطابقة لها، وكان في مورد احتمال عدم الاصابة الى الواقع وهو وان كان معذوراً للمكلف عند عدم الاصابة، الا انه يكفي عند الجهل بالواقع في الاحكام التي لا يرضى الشارع بتركها في ظرف العلم به – اي القسم الاول- دون القسم الاخير منها، وما كان للشارع فيها مزيد اهتمام. ففي هذه الموارد لا طريق الى الواقع بالنسبة للمكلف الا الاحتياط، والاتيان بكل ما يتحمل تلك التكاليف.
والشاخص لهذا القسم من التكاليف ورود الأمر بالاحتياط فيها من ناحية الشارع الكاشف عن اهتمام الشارع بها على لا يرضى الواقع في موردها بوجه وفي حال.
اذا عرفت هذا:
فإن لزوم الوصول الى الواقع في هذه الموارد واحرازه من ناحية المكلف بالاتيان بكل ما يحتمله بمقتضى الامر الوارد من الشارع، امر جار في جميع الاحوال بلا فرق فيه بين حال الانفتاح وحال الانسداد، بمعنى ان مواردها استثناء خاص في مقام الاطاعة غير مختص بباب الانسداد، ولا طريق للامتثال فيها الا الاحتياط، والأخذ بجميع المحتملات ما لم يلزم العسر. والحاصل ان نتيجة مقدمات الانسداد لا تورث الاهمال من جهتها، بل انها من جهة ما هو الوظيفة العادية للمكلف في مقام الاطاعة مطلقة لا اهمال فيها.
اما بحسب المرتبة:
فالظاهر ان نتيجة مقدمات الانسداد بناء على ما هو المفروض من الحكومة مطلقة ايضاً، وذلك:
لأن بعد حكم العقل بلزوم التنزل عن العلم عند انسداد بابه الى ما دونه، فإنه يعتبر جميع مراتب ما دون العلم في مقام الاطاعة، ولكن بحسبها اي الاقرب فالاقرب، فإن المرتبة النازلة لا تقبل الاعتبار مع التمكن من المرتبة العالية. وعليه، فإن مراتب الاعتبار لا تختص بمراتب الامتثال من جهة الاطاعة الظنية و تقدمها على الاطاعة الشكية، وتقدمها على الاطاعة الوهمية، بل يلزم رعايتها في كل من الاطاعة الظنية والوهمية، لانهما مقولتان بالتشكيك، ومراتب الاعتبار متوقفة على مراتبها، ويلزم رعاية الأقرب فالاقرب.
الا ان هذه الجهة لا توجب الاهمال في نتيجة مقدمات الانسداد لعدم اختصاص الاعتبار بمرتبة دون مرتبة، بل ان مع الانسداد تتصف جميع مراتب الظن مثلاً بالحجية ولكن حسب مراتبها، ونتيجتها اعتبار كل مرتبة من الظن بوصف كونه اقرب من غيره الى الواقع، بحيث زادت درجة قربه بزيادة احتمال اصابته، ونقصت احتمال خلافه، وبعبارة اخرى جامعة: ان النتيجة اعتبار كل مرتبة من مراتب الظن الارجح منها فالارجح، و هو الحال في اعتبار ما دون الظن ايضاً مع فرض انسداد الظن، او عدم كفايته بكل الاحكام او جلها.
ثم انه قد ورد في كلام الشيخ وصاحب الكفاية وغيرهما (قدس الله اسرارهم) التعبيرعن استقلال العقل، او حكمه بلزوم التنزل عن العلم الى الظن الراجح البالغ مرتبة الاطمينان الا على تقدير عدم كفايتها.
وهذا وإن كانت عبارة اخرى عما مر من ان العقل يحكم باعتبار ما دون العلم عند الانسداد الارجح منه فالارجح، ولازمه التنزل من العلم الى الظن الراجح المفيد للاطمينان او المتاخم للعلم، ومع عدم الكفاية الى ما دونه الارجح فالارجح الا ان فيه مسامحة ظاهرة.
وذلك لأنها ما يعبر عنه بالظن الاطميناني او الظن المفيد للاطمينان، هو ما يسمى بالعلم العرفي في قبال العلم العقلي، فإن العلم العرفي وإن لم تبلغ درجة اصابته للواقع المأة في المأة كما هو شأن العلم العقلي، الا ان ما يحصل للمكلف عند الانفتاح هو العلم العرفي غالبا دون العلم العقلي، فإنه لا يحصل الا في العلوم العقلية والرياضيات وأمثاله، وأما في مثل العلوم النقلية فإن غاية ما يحصل فيه العلم العرفي، فهو داخل في العلم. وقد مر تعريف الاطمينان بأنه ما لا يرى معه احتمال الخلاف، ومعناه انه يختلف عن العلم العقلي بوجود احتمال الخلاف فيه، الا ان هذا الاحتمال لضعفه مما لا يرى عرفاً وعقلاً، و يقع الوثوق في الدرجة النازلة عنه، لأنه الظن الراجح الذي فيه احتمال الخلاف الا انه لا يعتنى به عقلاً، اي يرى الاحتمال المذكور ولكنه غير معتنى به عقلاً، والوثوق حجة عقلائية يعتبره العقلاء في تعاملهم ولا يردع عنه الشرع.
وهذان التعبيران اي الاطمينان والوثوق وإن يتحدان في التعبير في كثير الكلمات وربما يتحدان في كلمات الاعلام خصوصاً شيخنا الاعظم (اعلى الله مقامه) في مقامات من الرسائل، الا انهما يختلفان عند التحقيق والتدقيق، وإن كان لا محذور في اتحادهما لوحدة اثرهما واعتبار طريقتهما عقلاً. والمهم هنا، انه عندما نقول انسداد باب العلم يلزم ان يراد به انسداد باب العلم، وكذا باب الاطمينان وباب الوثوق كانسداد باب العلمي، فلا يتم الى التنزل الى الظن الغير الموجب للاطمينان والوثوق الا بعد فرض انسداد باب الرجوع اليهما، ومع تمكن المكلف عنهما فإنه لا يتم له انسداد باب العلم، فإن الظن الراجح البالغ حد الاطمينان او الوثوق حجة عقلائية قابل للاحتجاج في مقام الوساطة في الاثبات، ولا شبهة في اكتفاء العقل بهما في مقام الامتثال عند انفتاح باب العلم، وقد مر ان الحاكم في باب الاطاعة هو العقل، وكل ما ورد من الشرع ارشاد اليه. ويجري الكلام بعينه اذا التزمنا بمقالة شيخنا الاعظم من ان مشي الشارع في مقام الاطاعة والامتثال ما هو الجاري في السيرة العقلائية في مقامهما. هذا كله بناءً على الالتزام بمبنى الحكومة.