بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد
ففيه:
أن ضبط مرتبة خاصة له متعسر أو متعذر، لأن القوة والضعف إضافيان، وليس تعارض القوي مع الضعيف هنا في متعلق واحد حتى يذهب الظن من الأضعف ويبقى في الأمارة الأخرى .
نعم يوجد مرتبة خاصة، وهو الظن الاطمئناني الملحق بالعلم حكما بل موضوعا، لكنه نادر التحقق . مع أن كون القوة معينة للقضية المجملة محل منع، إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنا يكون أضعف من غيره، كما هو المشاهد في الظنون الخاصة، فإنها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة . وما تقدم في تقريب مرجحية القوة، إنما هو مع كون إيجاب العمل بالظن عند انسداد باب العلم من منشآت العقل وأحكامه .
وأما على تقدير كشف مقدمات الانسداد عن أن الشارع جعل الظن حجة في الجملة، وتردد أمره في أنظارنا بين الكل والأبعاض، فلا يلزم من كون بعضها أقوى كونه هو المجعول حجة، لأنا قد وجدنا تعبد الشارع بالظن الأضعف وطرح الأقوى في موارد كثيرة .
وأما المرجح الثالث، وهو الظن باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدمين، ففيه - مع أن الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم، بل أولويته -:
أن الترجيح على هذا الوجه يشبه الترجيح بالقوة والضعف في أن مداره على الأقرب إلى الواقع، وحينئذ: إذا فرضنا كون الظن الذي لم يظن حجيته أقوى ظنا بمراتب من الظن الذي ظن حجيته، فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني، فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة، وعدم وجود ضابطة كلية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار .
نعم، لو فرض تساوي أبعاض الظنون دائما من حيث القوة والضعف، كان ذلك المرجح بنفسه منضبطا، ولكن الفرض مستبعد بل مستحيل .
مع أن اللازم على هذا أن لا يعمل بكل مظنون الحجية، بل بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته، لأنه أبعد عن مخالفة الواقع وبدله بناء على التقرير المتقدم. وأما الوجه الأول المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار على غيره.
ففيه: أولا: أنه لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة على الإطلاق، فإن أكثر ما أقيم على حجيته الأدلة - من الأمارات الظنية المبحوث عنها - الخبر الصحيح، ومعلوم عند المنصف أن شيئا مما ذكروه لحجيته لا يوجب الظن بها على الإطلاق .
وثانيا: أنه لا دليل على اعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل .»[1] هذا ما افاده الشيخ (قدس سره) في نفي الترجيح بالوجوه الثلاثة التي ذكرها بعض الاعاظم كالمحقق القمي والفاضل النراقي و شيخه شريف العلماء وغيرهم في طريق تعميم النتيجة بناءً على الكشف.
ونظر صاحب الكفاية (قدس سره) فيه بما يظهر منه ارتضائه والتزامه بالترجيح الثاني والثالث، وأإن لم يتعرض لترجيح الثالث في المقام، وإن افاد قبل ذلك بما يدل ارتضائه به.
قال (قدس سره) بالنسبة الى المرجح الثالث اي مظنون الاعتبار:
ان حجية الظن الذي قام على اعتباره ظن اخر انما كانت لأجل عدم احتمال نصب الشارع طريقاً غيره بلا قرينة.
فإنه اذا لم يكن مظنون الحجية بين الطرق حجة لزم ان لا تكون نتيجة مقدمات الانسداد بناء على الكشف هي الطريق الواصل بنفسه، وهو خلاف المفروض.
وعليه فإن الظن بالحجية يوجب القطع بحجية الظن المذكور، بلا فرق بين كون غيره حجة ام لا.
ان قلت:
ان ما ظن حجيته انما يحتمل عدم حجيته لأن الظن بالاعتبار لا يدفع احتمال عدم الاعتبار، فكيف يحرز في المقام القطع بحجيته واعتباره بالخصوص؟
قلت: ان الظن بحجيته لا ينافي القطع بها بملاحظة مقدمات الانسداد.
وذلك لأنه لا يحتمل ان يكون غيره حجة بلا قرينة. وأما احتمال حجيته هذا الطريق دون غيره جار، لأنه ذو خصوصية بالنسبة الى غيره وذو مزية هي الظن باعتباره.
.[1] فرائد الاصول، ج1، ص474-478.