وقربه صاحب الكفاية (قدس سره)في المتن بوجه اخر:
وحاصله: ان استقلال العقل باعتبار الظن، وكفاية الاطاعة الظنية انما يترتب عليه امران:
1 - عدم مؤاخذة الشارع بأزيد منها.
بمعنى ان الشارع لا يريد من المكلف في ظرف انسداد باب العلم ازيد من الاطاعة الظنية، فلا يريد منه الاطاعة العلمية ولا يؤاخذ على تركه الاطاعة العلمية لعدم تمكن المكلف من ذلك.
2 - عدم جواز اقتصار المكلف بدونها.
بمعنى ان مع استقلال العقل باعتبار الظن في مقام الاطاعة، فإنه لا يتمكن المكلف في مقام الاطاعة من الاكتفاء بالاطاعة النازلة عن الاطاعة الظنية، كالاطاعة الشكية والوهميّة، فاقتصار المكلف بما دونها يوجب استحقاقه العقاب.
وعليه، فاذا كان استقلال العقل باعتبار الظن يوجب استحقاق الثواب اذا اتي العبد بالاطاعة الظنية، واستحقاق العقاب اذا اتي بأقل منها، لا وجه لحكم الشرع بذلك حكماً مولوياً، لانه حكم بلا ملاك، ولو صدر من الشارع حكم في هذا المقام لكان ذلك ارشاداً الى حكم العقل كما هو الشأن في باب الاطاعة والمعصية.
وعليه فإن المورد غير قابل للحكم الشرعي مولوياً، ومعه فلا موضوع لقاعدة الملازمة.
لا يقال:
انه لا شبهة في صحة نصب الشارع الامارات والطرق للوصول الى تكاليفه الواقعية وقد مر في مقامه ان معناه اكتفاء الشارع عن الواقع بمودأها. ولا فرق في صحة نصبها منه بين انفتاح باب العلم وانسداده.
وعليه لكان ذلك منافياً للقول بأن الظن انما يكون معتبراً لاستقلال العقل باعتباره في حال الانسداد، ولا حكم للشرع في مقامه.
وبعبارة اخرى، انه اذا لم يمكن تصوير حكم الشارع مولوياً باعتبار الظن في حال الانسداد فلا يتم منه نصب الطرق في حاله، وجعل الامارات لارائة الواقع، مع انه لا شبهة في صحة نصبه منه حتى في حال الانسداد.
واجاب عنه صاحب الكفاية (قدس سره):
بأنه فرق بين المقامين، فإنه لا شبهة في ان اعتبار الظن في مقام الاطاعة انما يكون باستقلال العقل، ولا ملاك بصدور الحكم باعتباره من الشرع مولوياً كما مر.
وأما في باب نصب الطرق في حال الانسداد، فإنه كان في مقام اكتفاء الشارع عن الواقع بالحكم الظاهري الذي هو مؤدى الطرق والامارات، فليس نصب الطرق لارائة الحكم الواقعي حتى كان الظن طريقاً اليه، بل للاكتفاء عن الواقع بقدر وصوله ولو ظناً.
والمهم هنا ان هذا النصب وثبوته بالظن مما لا يستكشف بحكم العقل باعتبار الظن في مقام الملازمة، لاختلاف الموضوع بينهما، فإن الموضوع لحكم العقل الظن بالواقع فيكون الحكم الواقعي المظنون فعلياً به، وأما موضوع نصب الطريق فعلية الحكم الظاهري المظنون، ومن الواضح امتناع فعلية الظاهري مع الواقعي.
وبعبارة اخرى: ان الموضوع للحجية العقلية الظن الملحوظ طريقاً صرفاً لاحراز الواقع.
والظن الملحوظ كونه طريقاً شرعياً منصوباً في الطرق والامارات موضوعه الحكم الظاهري، وهو الوظيفة العملية التي يكفي بها الشارع عن واقعه بملاك اخر غير ملاك حكم العقل كالتسهيل.
هذا:
ثم افاد صاحب الكفاية انه لا يصح تقرير مقدمات الانسداد الا على نحو الحكومة لعدم تمامية الكشف.
ومعه لا اهمال في نتيجة هذه المقدمات، لاستلزامه الاهمال والاجمال في حكم العقل، وهو مما لا سبيل اليه.