بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و يك
نعم انه (قدس سره) طرح اشكالاً بعد ذلك:
وهو انه اراد اخراج المؤونة من ارباحهما بمجرد حصولها فانه ربما لايحصل له العلم ببقاء فاضل للارباح الحاصلة له حتى كان متعلقاً للخمس فاذا لم نلتزم باشتراط السنة ليعلم ببقاء ما يتعلق به الخمس كيف يمكن الالتزام بتنجز الوجوب وتعلقه بالارباح بمجرد حصولها.
واجاب بانه اذا امكنه العلم عند حصول الربح ببقاء ما يتعلق به الخمس بعد اخراج مؤونته بحسب التخمين والظن فانه يدفع احتمال عدم البقاء الموضوع بالتمسك باصالة عدم حدوث سبب اخر للصرف في مؤونته.
ثم ان السيد الخوئي (قدس سره) افاد في مقام تقريب البعدية الترتيبة:
«وما دل على تعلقه من لدن ظهور الربح أن الحكم ثابت من الأول لكن مشروطا بعدم الصرف في المؤنة بنحو الشرط المتأخر، فإن البعدية الرتبية لا تنافي الثبوت من الأول كما في الإرث. غايته أنه من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخر، فكلما صرفه في المؤنة لم يتعلق به الخمس من الأول، وكل ما بقي وفضل كما عبر به في رواية ابن شجاع وجب خمسه. وهذا هو الظاهر من الجمع بين الأخبار. ومما يرشدك إلى إرادة البعدية الرتبية أن لازم إرادة الزمانية جواز اتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المؤنة من هبة لا تليق بشأنه ونحوها لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلق التكليف، ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه، ولعل الحلي أيضا لا يلتزم بذلك.»[1]
وظاهر ما افاده (قدس سره)
ان المحذور في المقام امران:
1- ان الالتزام بتنجز الوجوب و اطلاقه – وجوب الخمس في الارباح- بمجرد حصولها ينافي جواز اخراج المؤونة عن الارباح قبل التخميس بمقتضى قولهم الخمس بعد المؤونة لان اخراج المؤونة لايمكن الا بعد حصول الربح وتمكن المكلف من اخراجهما لادارة معاشه الى انتهاء سنة الربح فلا يقين في متعلق الخمس قبل انتهاء السنة بل لا علم بوجود الموضوع لتعلقه اذ ربما لايبقى فاضل في ارباحه بعد اخراج مؤونته.
2- انه مع التزام بتعلق الوجوب بفاضل المؤونة بعد انتهاء السنة وانه لا تكليف له بالخمس قبل انتهائها للزوم بسط يده فيما يريد ان يصرفه فانه لا مانع عن اتلافه الربح في اثناء السنة او الصرف في غير المؤونة او فيما لا يتعلق بشانه لجوازه له بعد عدم تعلق تكليف باخراج الخمس قبلها فلو اتفق بقاء شيء من الربح بعد انقضاء السنة تعلق به الخمس.
ومقتضى عدم الابتلاء بالمحذورين الالتزام بثبوت الحكم بوجوب الخمس من حين حصول الربح، ولكن لامطلقاً، بل الوجوب المشروط بالشرط المتاخر، وهو عدم الصرف في مؤونة سنة فالمكلف يجب عليه اخراج خمس ارباح سنة اذا لم يصرفه في مؤونته حسب القيود الماخوذة فيها في المباحث السابقة، وان كلما صرفه في المؤونة لم يتعلق به الخمس من الاول وكل ما بقي وجوب خمسه.
وافاد بان هذا مقتضى الجمع بين ما ورد من ان الخمس بعد المؤونة وما دل على تعلق الخمس بالارباح والمنافع.
وقرر الشاهد على الجمع ما ورد في رواية علي بن محمد بن شجاع النيسابوري عن ابي الحسن الثالث (عليه السلام) بقوله: «الخمس مما يفضل من مؤونته»
ثم افاده بعد ذلك:
هذا: - ولكن الانصاف أن ما ذكرناه إنما يتجه بالإضافة إلى مؤنة الاسترباح وما يصرف في سبيل تحصيل الربح، فإن ما ورد من أن الخمس بعد المؤنة ناظر إلى ذلك.
وأما بالنسبة إلى مؤنة السنة، التي هي محل الكلام، فتعلق الخمس باق على اطلاقه، وإنما المقيد بعدم الصرف فيها، هو الحكم التكليفي، أعني وجوب الخمس، لا تعلقه، على ما تشهد به نصوص الباب. حيث إن المعلق على ما بعد المؤنة في صحيحة ابن مهزيار إنما هو وجوب الخمس، كما أن المعلق عليه في صحيحته الأخرى هو قوله ( ع ) - عليه الخمس - الظاهر في الوجوب. إذا فيكون المشروط بعدم الصرف فيها على سبيل الشرط المتأخر إنما هو الوجوب لا أصل التعلق، باق على اطلاقه.» [2]
وحاصله الرجوع عما افاده قبل ذلك ووجه رجوعه: استظهاره (قدس سره) من ان ما ورد في ان « الخمس بعد المؤونة» ناظر الى مؤونة تحصيل الربح لا مؤونة السنة، وعليه فانما رد ما التزام به من كون مقتضى الجمع بين الاخبار هو الالتزام بوجوب الخمس مشروطاً بشرط متاخر هو عدم الصرف في المؤونة. والتزم هنا بانه فرق بين تعلق الخمس ووجوب التخميس ودفعه فان الخمس انما يتعلق بالارباح بمجرد حصولها على نحو الاطلاق واما الحكم التكليفي وهو وجوب التخميس، وان شئت قلت وجوب الاداء يقيد بعدم الصرف في المؤونة.
وانما يستدل عليه باننا نرى في الروايات التعبيير بكل واحد منهما.
ففي صحيحة علي بن مهزيار عن ابي علي بن راشد «يجب عليهم الخمس» الظاهر في تعلق الخمس بالارباح بمجرد حصولها.
وفي صحيحته الاخرى مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني «عليه الخمس بعد المؤونة و مؤونة عياله وبعد اخراج السلطان».
ومقتضى الجمع بينهما التفريق بين التعلق والوجوب فان التعلق مطلق ولكن الوجوب مشروط بشرط متاخر.
ثم افاد بعد ذلك:
«وكيفما كان، فما ذكره المشهور من ثبوت الحكم من الأول مشروطا بعدم الصرف في المؤنة هو الصحيح، بل لا ينبغي التردد فيه»[3]
ويلاحظ عليه: ان في صحيحة علي بن مهزيار عن ابي علي بن راشد وان ورد: «يجب عليهم الخمس» الا ان في ذيل الرواية: «اذا امكنهم بعد المؤونة» واليك نص الصحيحة:
«... قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شئ حقه ؟ فلم أدر ما أجيبه ؟ فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شئ ؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده ؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم.»[4]
وعليه فلا فرق بين هذا الصحيحة والصحيحة الاخرى له بقوله: «بعد المؤونة ومؤونة عياله» ومعه لا وجه للتفريق بين مقام تعلق الخمس بمجرد حصولها الربح ووجوب التخميس والاداء بعد مؤونة السنة بمقتضى التفاوت في لسانهما.
هذا مع ان ما افاده من ان ما ورد: «ان الخمس بعد المؤونة» ناظر الى مؤونة الاسترباح ومايصرف في سبيل تحصيل الربح لايتم الالتزام به بعد تصريح الصحيحة: «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان.»[5] ولامعنى لبيان المصداق للعنوان مع كونه ناظراً الى مصداق اخر. وقد مر انه لاتفاوت بين تحصيل الربح ومؤونة معاشه في مقام الاستثناء وفي النصوص والفتاوى التصريح بهما.
ثم ان بالنسبة الى ما حققه من التفكيك بين تعلق الخمس والحكم التكليف بوجوب التخميس توجيهاً لما سلكه المشهور.
فيمكن ان يقال:
ان المشهور التزم بثبوت الحكم اي: وجوب خمس الارباح والفوائد من حين حصولها كما لا شبهة في التزامهم بان ما صرفه في المؤونة يستثنى من الحكم بوجوب الخمس واما التزام المشهور باشتراط الحكم بالوجوب بعدم الصرف في المؤونة او باخراج المؤونة بمعنى كون الاستثناء بمعنى الاشتراط فهو غير مصرح في كلماتهم.
[1] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص271.
[2] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص 271-272.
[3] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص272.
[4] وسائل الشيعة، ج9، ص 500، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث12581/3؛ السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص208.
[5]. وسائل الشيعة، ج9، ص 500، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث12582/4..