بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود
قال صاحب العروة:
( مسألة 72 ): «متى حصل الربح وكان زائدا على مؤنة السنة تعلق به الخمس، وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة فليس تمام الحول شرطا في وجوبه، وإنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد مؤنة أخرى زائدا على ما ظنه
فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه.»[1]
ينبغي البحث في هذه المسألة حول امرين:
الاوّل:
ذهب المشهور الى تعلق الخمس بالارباح بمجرد حصولها، وهو مقتضى الاطلاقات الواردة في تعلق الخمس بها.
ونسب الى ابن ادريس الخلاف في المسألة حيث ذهب الى تعلقه بها في آخر السنة.
قال (قدس سره) في السرائر: «وأما ما عدا الكنوز، والمعادن، من سائر الاستفادات، والأرباح، والمكاسب، والزراعات، فلا يجب فيها الخمس، بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من تجب عليه مؤونته، سنة هلالية، على جهة الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شئ، أخرج منه الخمس، قليلا كان الفاضل، أو كثيرا، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس، بعد حصوله له، وإخراج ما يكون بقدر نفقته، لأن الأصل براءة الذمة، وإخراج ذلك على الفور، أو وجوبه ذلك الوقت، يحتاج إلى دليل شرعي، والشرع خال منه، بل إجماعنا منعقد بغير خلاف أنه لا يجب إلا بعد مؤونة الرجل طول سنته، فإذا فضل بعد ذلك شئ، أخرج منه الخمس، من قليله وكثيره، وأيضا فالمؤونة لا يعلمها، ولا يعلم كميتها، إلا بعد تقضي سنته، لأنه ربما ولد له الأولاد، أو تزوج الزوجات، أو انهدمت داره، ومسكنه، أو ماتت دابته، التي يحتاج إليها، أو اشترى خادما يحتاج إليه، أو دابة يحتاج إليها، إلى غير ذلك مما يطول تعداده وذكره، والقديم، ما كفله إلا بعد هذا جميعه، ولا أوجب عليه شيئا، إلا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته،»[2]
واورد عليه الشيخ (قدس سره) في الرسالة:
وفيه: أن المراد بالبعدية في النصوص والفتاوى ليس التأخر من حيث الزمان، حتى يكون معناه توقيت وجوب إخراج الخمس بما بعد زمان صرف المؤونة، كيف ! ولو كان كذلك لوجب بعد السنة صرف خمس تمام الربح.
فتعين أن يكون المراد تأخر تعلق الخمس بالمال من حيث إضافته إليه وثبوته فيه عن تعلق المؤونة بهذا الاعتبار، بمعنى أنه لا يتعلق في مال، إخراج الخمس والمؤونة منه كليهما، فلا يكون في الربح الذي يكون ألفا، الخمس أعني مائتين. والمؤونة أعني خمسمائة مثلا، بل يلاحظ تعلق الخمس بالمال بعد تعلق إخراج المؤونة به.
ولازم ذلك إضافة الخمس إلى ما يبقى بعد المؤونة، فلا يجوز أن يضاف الخمس إلى أصل الربح، لأن المؤونة مضافة إليه، والمفروض عدم اجتماعهما في الإضافة والتعلق، وهذا لا دخل له بزمان إخراج الخمس بالإضافة إلى زمان إخراج المؤونة.
ولما كان هذا المعنى مرادا من هذه العبارة الواردة في الفتاوى والنصوص ومعاقد الاجماع اتفاقا حتى من الحلي، لم يمكن إرادة المعنى الأول وهو التأخر من حيث زمان، وإلا لزم استعمال اللفظ في المعنيين، فافهم.
وأما ما ذكره من عدم العلم بكمية المؤونة، ففيه:
مع أنه لا استحالة في حصول العلم بكمية المؤونة، أو الظن المعتبر ولو بضميمة أصالة عدم حدوث مؤونة أخرى، أن عدم العلم بها لا يوجب عدم تنجز الوجوب في الواقع، غاية الأمر تزلزله في الظاهر، وكونه مراعى بعدم حدوث مؤونة أخرى، وهذا غير اعتبار الحول فيه.
نعم، قد يشكل الأمر من جهة عدم العلم بكون ما يدفعه خمسا، إذ لعله لا يبقى فاضل عن المؤونة إلا أن يدفع ذلك بالتمسك بأصالة عدم حدوث سبب آخر.[3]
وحاصل ما افاده (قدس سره):
ان ما ورد من ان «الخمس بعد المؤونة» في النصوص ومعاقد الاجماع ليس المراد منه البعدية الزمانية بل ان المراد منه البعدية الرتبية بمعنى ان مرتبة الخمس متاخرة عن مرتبة المؤونة ومعناه ان اخراج الخمس من الارباح المتعلقة له يكون بعد اخراج المؤونة وان مادام لا تخرج المؤونة لاتصل النوبة الى اخراج الخمس.
ويمكن تنظير ما افاده (قدس سره) بما ورد في الارث في قوله تعالى:> مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصي بِها أَوْ دَيْنٍ <[4] حيث ان الصرف في الارث لا تصل النوبة اليه الا بعد اخراج الدين والوصية بمعنى ان رتبة تعلق المال بالوارث بمقتضى الارث انما يكون في المرتبة المتاخرة عن اخراج الوصية او الدين من الاموال الباقية من المتوفى.
وافاد (قدس سره) بانه لو كان المراد منها البعدية الزمانية فهو يستلزم محذورين:
1- لزوم تخميس جميع ارباح السنة حتى المصروف في المؤونة بعد انقضاء السنة لان معنى البعدية الزمانية اشترط الوجوب بمضيها.
2- استعمال اللفظ في المعنيين بمعنى ان ارادة الخمس من الارباح وارادة كونه بعد اخراج المؤونة توجب استعمال لفظ الخمس في المعنيين كما ان ارادة الميراث وارادة كونه بعد الوصية توجب ذلك.
فلا وجه لان يضاف الخمس الى اصل الربح بعد اضافة المؤونة الى اصله فان هذه الاضافة والتعلق لا تقع في رتبة واحدة والا لزم استعمال اللفظ في المعنيين بل ان الرتبة بينهما مختلفة ولايتعلق الخمس بالارباح الا في الرتبة المتاخرة عن اخراج المؤونة.
وافاد الشيخ (قدس سره) بان هذه المعنى اي وجوب اخراج الخمس من الارباح في الرتبة المتاخرة عن اخراج المؤونة منها واضافة المؤونة اليها هو المتعلق عليه عند الاصحاب حتى المحقق الحلي (قدس سره)
وهذا المعنى حسب ما عرفت غير مبتني على البعدية الزمانية والاشتراط ثم ان في ذيل كلام الشيخ (قدس سره) في مقام الجواب عن المحقق الحلي (قدس سره) القائل بانه لايحصل للمكلف العلم بكمية المؤونة قبل انقضاء السنة ما محصله:
ان تنجز وجوب اخراج الخمس من الارباح بمجرد حصولها متحقق في الواقع ونفس الامر ولكنه ليس مطلقا بل بعد اخراج المؤونة.
فان امكن تحقق هذا الاخراج والاستثناء حين حصول الربح لتم هذا التنجز في الظاهر ايضاً والا لصار الوجوب متزلزلاً مراعى باخراج مؤونة السنة وغاية هذا التزلزل والرعاية نهاية السنة وبعدها لتنجز الوجوب بالنسبة الى اخراج الخمس. وليس معنى ذلك اعتبار مضي الحول في تعلق الخمس.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقي(المحشي)، ص 294.
[2]. ابن ادريس الحلي، السرائر، ج1، ص489.
.[3] الشیخ الانصاري، کتاب الخمس، ص211.
[4]. سورة النساء، الاية 11.