بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و نه
فانه يمكن ان يقال:
ان الدين السابق اذا لم يتمكن من ادائه من غير ارباح سنته، فقد عرفت ان اداءه يعد من المؤونة، ولا يفرق فيه تمكنه من الاداء قبل السنة وعدم تمكنه، لانه بعد لزوم تفريغ ذمته على ما مر من مطالبة الدائن، او وصول وقت الاداء، وعدم طريق لابراء ذمته الا اخراجه من ارباح السنة قبل التخميس، لا شبهة في عده من المؤونة عرفاً. وتمكنه من الاداء قبل السنة وعدم ادائه لا يوجب اكثر من تأخير الواجب عن وقته – لو فرض ذلك – وانه عاص في تأخيره ولا يمنع عن حاجته في ابراء الذمة في سنة الربح التي هي المبنى في صدق المؤونة عرفاً.
وعليه فما افاده السيد الخوئي في مقام الاشكال على صاحب العروة (قدس سره) تام.
نعم، لو التزمنا بان متعلق وجوب الدفع بالمال، كمورد ثبوت الاستطاعة والتمكن من السير في سنته، او اداء الدين مع تمكنه، يوجب خروج ما يجب دفعه عن الربح المتعلق للخمس، - على ما مر تفصيله – يمكن القول يدخل التمكن من الاداء وعدمه في الحكم، الا انه بناءً عليه فان ما يخرج عن عمومات الخمس، القدر الواجب دفعه من الربح في سنة الوجوب دون سنة الاداء اذا اخره الى سنته الربح المتأخرة وان كان المقابل باقياً: نظير ما اذا اشترى داراً من دينه للاستيجار، فانه لا شبهة في جواز ادائه من ارباح سنته قبل التخميس. وينتقل الخمس من الربح المصروف في اداء الدين الى العين المشتراة به المفروض بقاؤه، فيكون من قبيل تبديل الربح في سنته الذي يجوز ولا يمنع عن تعلق الخمس فى آخر السنة.
واما النذور والكفارات واروش الجنايات وقيم المتلفات، فالظاهر عدم الخلاف في ان وفاءه من المؤونة.
هذا اذا كان الوفاء في عام حدوثها. واما لوحدث قبل عام الربح، وبقي الوفاء بها اليه، بعد وفائه من المؤونة ايضاً وجاز له دفعها من ارباح سنته قبل التخميس.
ولا دخل للتمكن من الوفاء بها قبل السنة وعدمه في جواز اخراجها من ارباح سنة الربح قبل التخميس. الا على مبنى خروج ما يجب اخراجه من المال من ارباح السنة عند التمكن فيها.
وقد مر ان هذا المبنى لا يوجب اكثر من عدم تعلق الخمس بالمقدار الواجب دفعه في سنة الوجوب دون سنة الاداء اذا فرضنا تأخرها. وما يسهل الخطب عدم الالتزام باصل المبنى. وقد ظهر انه لا وجه لتردد صاحب العروة (قدس سره) واحتياطه في المقام بعد عدم دخل التمكن السابق، في لزوم تعلق الخمس في سنة الاداء المتأخرة.
وفي حاشية المحقق النائيني (قدس سره) عند قول الماتن: اخراج الخمس...
« لو استدانه لمؤنته في ذلك العام لم يجب الخمس فيما يقابله من ربحه مطلقا أما النذور والكفارات وما يلزمه من الغرامات وغير ذلك من الديون فإن أوفاها من ربح ذلك العام قبل انقضائه لم يجب الخمس فيه وإلا وجب على الأقوى.»[1]
فان ظاهر ما افاده ان مثل النذور والكفارات ان اوفاه في سنته لم يجب الخمس فيه، دون ما اذا انقضت سنته، وبقي الوفاء به الى السنة المتأخرة، ولعله لاجل ان الوفاء به في سنته يعد من مؤونة السنة فلا محالة تستثنى من عمومات وجوب الخمس، بخلاف ما لو اخر الوفاء حتى انقضى عامه فانه لا وجه لعد الوفاء به في سنته الاخرى من مؤونتها.
ويمكن ان يلاحظ فيه:
ان مثل النذور والكفارات و الغرامات يكون الوفاء بها من المؤونة عرفاً وقد مر في كلام صاحب العروة (قدس سره) عدها من المؤونة. في مسألة 61 حيث قال: «والحقوق اللازمة له بنذر او كفارة او اداء دين او ارش جناية او غرامة ما اتلفه عمداً او خطئا.» ولم يعلق عليه المحقق النائيني (قدس سره) بشئ. فيدل على التزامه به كما انه لا خلاف فيه بين الاصحاب، وعليه فان اساس ما افاده في المقام اختصاص المؤونة المستثناة بمؤونة السنة، وانه لا وجه لاستثناء مؤونة غير السنة من ارباحها. ولكنه اذا وقعت هذه الحقوق في ذمته ولم يف بها في سنته لكان ذلك مثل الدين الذي استدانه لمؤونة سنته ولم يؤدها فيها، وفي مثله التزم صاحب العروة (قدس سره) بعد الوفاء به من المؤونة حيث قال في المقام: «اداء الدين من الموونة اذا كان في عام حصول الربح، او كان سابقاً، ولكن لم يتمكن من ادائه الى عام حصول الربح»، الظاهر في عد الدين السابق المصروف في المؤونة، من المؤونة وان لم يصرف في مؤنة سنة الربح، وقد زاد المحقق النائيني (قدس سره) كجماعة من اعلام المحشين للعروة في مقامه: «بل وان تمكن ايضاً على الاقوى». وهو صريح في عد الوفاء بما في ذمته من دين المؤونة من مؤنة سنة الربح المتأخرة بلا فرق بين تمكنه من الاداء سابقاً وبين عدم تمكنه، فنسأل هنا بأنه ما الفرق بين المقامين؟ حيث التزم هنا بعدم عد الوفاء في السنة المتأخرة من المؤونة.
نعم، يمكن ان يكون نظره الشريف الى ما مر من ان ما يجب دفعه على المكلف كمصارف الحج للمستطيع لا يتعلق به الخمس في عامه، اي عام وجوب الدفع. وقد صرح بذلك السيد البروجردي (قدس سره) في تعليقته في المقام: «بل هو الاقوى، نعم اذا كان ارتكابه لمؤونة سنته فالاقوى استثناء مقداره من ربحها وان لم يؤده فيها، لكن لا يحسب حينئذ من مؤن سنة الاداء اذا في سنة اخرى»
الا ان ظاهر ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) غير ذلك لانه صرح في التعليقة: «فإن أوفاها من ربح ذلك العام قبل انقضائه لم يجب الخمس فيه وإلا وجب على الأقوى.»[2]
فانه يقتضي وجوب الخمس في ما يجب دفعه في سنته اذا لم يدفعه فيها، ومنه يظهر عدم التزامه بالمبنى المذكور، اي خروج ما يجب دفعه من الارباح المتعلقة للخمس، كما عرفت في كلام السيد البروجردي (قدس سره). ومعه لا وجه للقول بان دفعه في السنة المتأخرة، مع فرض كونه من المؤونة لا يحسب من مؤونة سنة الاداء. لانه حينئذ من الدين الواقع في ذمته لاجل المؤونة، وقد التزم في مثله بعدم وجوب الخمس فيه.
نعم، قد عرفت عدم تمامية المبنى لعدم صدق المؤونة على ما لم يصرف فعلاً، بلا فرق فيه بين ما يجب دفعه وغيره، ومع عدم الوفاء به في سنة الوجوب، لا وجه لاخراجه عن الارباح المتعلقة للخمس بمقتضى الاستثناء.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقى(المحشي)، ج4، ص292.
[2]. السيد اليزدي، العروة الوثقى(المحشي)، ج4، ص292.