بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و شش
وافاد السيد الخوئي:
«المقام الثاني فيما إذا كان الدين من السنين السابقة ولا ينبغي الشك في عدم استثنائه من أرباح هذه السنة لأن المستثنى منها خصوص ما يعد من مؤن هذه السنة، ولا ريب أن ديون السنين السابقة حتى ما كانت لأجل مؤنتها فضلا عما كانت لغير المؤنة لا تكون من مؤنة هذه السنة. فالاستثناء لا يثبت جزما. وهل يجوز أداء ذاك الدين من هذه الأرباح أو لا يجوز إلا بعد التخميس ؟ حكم في المتن بالجواز شريطة إن لم يكن متمكنا من الأداء إلى عام حصول الربح.
ولم يظهر لنا وجه لهذا التقييد، إذ لا مدخل للتمكن وعدمه في هذا الحكم، بل العبرة بصدق كون الأداء المزبور مؤنة لهذه السنة، فإن ثبت بحيث صدق على صرف الربح فيه أنه صرفه في المؤنة جاز استثناؤه وإلا فلا.
ولا يناط ذلك بعدم التمكن السابق بوجه كما هو الحال في بقية المؤن، فلو تزوج أو اشترى دارا من أرباحه ولو مع التمكن من الصرف من مال آخر صدق عليه بالضرورة أنه قد صرف الربح في المؤنة، فالتمكن المزبور أو عدمه سيان في هذا الحكم وأجنبيان عن صدق الصرف في المؤنة جزما، فلا فرق إذا بين الصورتين أبدا.»[1]
وظاهر ما افاده (قدس سره) ان المستثنى من الارباح المتعلقة للخمس مؤونة السنة بعنوانها فلا يدخل فيه ما استدانه لاجل المؤونة في السنوات السابقة، لان مع تمامية صدق المؤونة على ما صرفه منه في وقته اي سنة الاستدنة، لايصدق عليه مؤونة هذه السنة اي سنة الربح.
ولا فرق في ذلك بين تمكنه من الاداء قبل السنة او عدم تمكنه لعدم دخله فيما هو المعيار للاستثناء وهو صدق عنوان المؤونة في سنة الربح، فانه تلازم بين ارباح السنة وما يصرف منها في مؤونتها في مقام الاستثناء.
وافاد بعد ذلك: «والظاهر تحقق الصدق المذكور فإن منشأ هذا الدين وإن كان قد تحقق سابقا إلا أنه بنفسه مؤنة فعلية لاشتغال الذمة به ولزوم الخروج عن عهدته سيما مع مطالبة الدائن، بل هو حينئذ من أظهر مصاديق المؤنة غايته أن سببه أمر سابق من استدانة أو اتلاف مال أحد أو ضرب أو قتل بحيث اشتغلت الذمة بالبدل أو الدية، فالسبق إنما هو في السبب لا في المسبب، بل المسبب أعني كونه مؤنة متحقق بالفعل.
فهو نظير من كان مريضا سابقا ولم يكن متمكنا من علاج نفسه إلا في هذه السنة أو كان متمكنا وأخر عامدا فإنه على التقديرين إذا صرف من أرباح هذه السنة في معالجة نفسه فقد صرفه في مؤونته، وإن كان سببها المرض السابق فليست العبرة بسبق السبب بل الاعتبار بفعلية المؤونة وهي صادقة حسبما عرفت.
فتحصل أن الأظهر أن أداء الدين السابق - سواء أكان متمكنا منه سابقا أم لا - يعد أيضا من المؤونة وإن لم يكن الدين بنفسه معدودا منها فلا يستثنى من أرباح هذه السنة من غير أداء.»[2]
وهذا البيان ليس رجوعاً عما افاده قبل ذلك، لانه ورد في البحث بعنوان السؤال عن جواز اداء ذلك الدين من ارباح هذه السنة اولا ثم استشكل فيما افاده صاحب العروة في المتن من تقييد الجواز بعدم التمكن من الاداء الى عام حصول الربح وابتنى المختار في المسألة على صدق الاداء من ربحه علي صرفه في المؤونة وعدم صدقه واختار الصدق في البيان الاخير بوضوح.
والظاهر عندهم جوار اداء الدين السابق من ارباح السنة اللاحقة اذا كان صرفه في مؤونة سنة الدين او مؤونة سنة الربح، و بلا فرق بين بقاء مقابله الى سنة الربح وعدم بقائه.
وقد مثل السيد الخوئي (قدس سره) لبقاء مقابله بما اذا اشترى داراً حسب احتياجه وقد صرف للاشتراء ما استدانه في السنة السابقة او سنواته السابقة.
ويمكن التمثيل لما لا بقاء له كالدين الذي صرفه في ماكله او ملبسه، بل مركبه وتلف الاخير فان الاشتغال بالدين باق على ذمته مع ان مقابله قد زال ولم يبق منه عين ولا اثر وصدق المؤونة على اداء الدين بهذه الصور مما لا اشكال فيه عندهم ظاهراً والظاهر ان الوجه فيه عندهم صدق المؤونة وما استدانه في السابق وان أمكن ان لا يصرف في مؤونة هذه السنة كما في بعض صور المسألة مثل ما اذا صرفه في مؤونة سنة الدين و زال من غير ان يبقى منه اثر الا ان المفروض بقاء اشتغال ذمته به الى سنة الربح المتاخر واما وجوب ادائه عليه فهو من اظهر مصاديق المؤونة حسب تعبيير السيد الخوئي (قدس سره).
هذا ثم ان صاحب العروة(قدس سره) قرر بان الدين السابق يعد اداؤه من المؤونة اذا لم يتمكن من ادائه الى عام حصول الربح، ولذا افاد بانه اذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام مع تمكنه من ادائه فالاحوط اخراج الخمس اولاً واداء الدين مما بقي.
وهذا ما اورد عليه السيد الخوئي فيما تقدم من كلامه واساس نظره عدم مدخلية التمكن من الاداء وعدم التمكن منه في الحكم في المقام فانه مع بقاء اشتغال ذمته بالدين الى سنة الربح ولزوم ادائه عليه فان اداءه في سنة الربح يعد من المؤونة ومع احتسابه منها لا وجه لاخراج الخمس منه لصدقه المؤونة عليه بلا فرق بين تمكنه سابقاً من الاداء او عدم تمكنه فانه لامدخلية للتمكن من الاداء او التمكن منه في عدم صدق المؤونة وفي صدقه، وصدق المؤونة هو المعيار في عدم وجوب اخراج الخمس منه.
وما افاده (قدس سره) في هذا الاشكال تام الا ان وجه تقييد صاحب العروة الحكم بكون الاداء من المستثنى اذا لم يتمكن من الاداء ما افاده السيد الخوئي نفسه في المسالة السابقة فيمن حصلت له الاستطاعة للربح في سنة الربح وتمكن من المسير، ولكنه عصى حتى انقضى الحول حيث التزم صاحب العروة بالاحتياط في وجوب الخمس دون الجزم في الفتوى به.
بما محصله: ان وجه الاحتياط هو متعلق الوجوب بالصرف في المؤونة للالزام الشرعي بالذهاب الى الحج فيتحمل ان يكون هذا الايجاب والالزام محققاً لصدق المؤونة المانعة عن وجوب الخمس نظير ما ذكروه في باب الزكاة من انه لو وجب الصرف في مورد لم تجب الزكاة لعدم التمكن من التصرف.
وعين هذا الوجه جار في المقام.
وذلك لان اداء الدين مع تمكنه عليه واجب عليه شرعاً فانما يتعلق الوجوب بالصرف في الاداء للالزام الشرعي به، وقد افاد السيد الخوئي (قدس سره) هناك بانه يحتمل ان يكون هذا الايجاب والالزام محققاً لصدق المؤونة المانعة عن وجوب الخمس في وقت امكان الاداء وصرح (قدس سره) بانه حيث ان أداء الدين واجب كوجوب الربح فيحتمل ان يكون نفس التكليف محققاً لعنوان المؤونة وان لم يتحقق الاداء خارجاً.
وقد مر منا احتمال ان يكون الالزام موجباً لاخراج مقداره عن تحت يد المكلف حقيقة لانه مال متعلق بالغير فلا تصدق عليه المؤونة كما لا يصدق عليه الربح لعدم صدقهما على مال الغير الذي ليس متعلقاً بالمكلف ومملوكا له. وبالجملة ان مع مجيء هذا الاحتمال الموجب لتردد صاحب العروة (قدس سره) في الفتوى فلا محالة يكون للتمكن من الاداء وعصيانه في وقته دخل لعدم صدق المؤونة على الاداء المتاخر لانه حين تمكنه من الاداء قد حوسب مقداره من الاستثناء ولا وجه لمحاسبة منه ثانياً في هذه السنة.
وعليه فلا وجه لما افاده السيد في المقام بقوله: «لم يظهر لنا وجه لهذا التقييد» فان الوجه معلوم الا انه لا يتم الالتزام به كما افاده (قدس سره) لبقاء اشتغال ذمته و وجوب ادائه وان عصى سابقاً في ذلك لما مر من ان المناط صدق المؤونة فعلاً وان كانت هي المؤونة بالمعني العام الشامل لاداء الدين.
نعم على هذا الوجه الذي احتمله صاحب العروة في المقامين اذا لم يؤد خمس ما يقابل الدين حين تمكنه وان يصرفه في ادائه خارجاً لم يجب عليه اخراج خمسه لان الالزام بالاداء في وقته اخرجه عن موضوع تعلق الخمس سواء قلنا بان ذلك من اجل كونه مؤونة كما افاد السيد او بانه خارج حقيقة عن ممتلكاته.
وعلى اي حال فالحق في هذه المسالة ان اداء الدين من المؤونة مطلقاً اذا صرفه في ما يحتاج اليه من مؤونته ولو في سنة الدين.
الثالث:
اذا كانت الاستدانة قبل عام الربح وكان لاجل امر خارجي غير المؤونة ففي هذه المسألة تارة تكون العين التي استدان لها باقية وتارة لا تكون باقية وتلفت قبل سنة الربح.
قال الشيخ (قدس سره): «ثم إنه لا إشكال ولا خلاف ظاهرا في أن مقابل الدين الذي يستدينه عام الاكتساب تابع لما يصرف فيه.
فإن صرف في مؤونة أصل الاكتساب أو لمؤونة نفسه بالمعنى المتقدم فهو مستثنى من الربح، ووجهه واضح. وإن كان لغير ذلك مما لو أخرجه من الربح لم يحسب من المؤونة، كاشتراء ضيعة، فظاهر جماعة استثنائه حيث قيدوا الدين المقارن بالحاجة إليه، وهو مشكل، لأن إبراء الذمة من الدين محسوب من المؤونة عرفا، وإن كانت الاستدانة لا للحاجة، بل ولو كان لمحرم، ولذا يجب أداء الدين السابق من مؤونة هذه السنة، وإن لم يكن لمؤونة هذه السنة. »[3]
وظاهره (قدس سره) وان كان الاعتراف بوجود الخلاف بين الاصحاب في المسألة الا انه اختار احتساب ادائه من المؤونة اي مؤونة سنة الاداء مطلقاً ولو كانت الاستدانة لا للحاجة بل لو كان لمحرم.
هذا ولكنه (قدس سره) اخرج من هذا الاطلاق مورداً وهو انه لو تمكن من اداء الدين قبل هذه السنة وكان لا يحتاج الى هذه الأستدانة في نظام معاشه بان كانت لامر خارجي غير المؤونة افاد: «ان في احتسابه من المؤونة اشكال لعدم وضوح كونه من مؤونة هذه السنة.»
وظاهر هذا الكلام منه تقييد صدق المؤونة على الاداء بعدم تمكنه من الاداء سابقاً مضافاً الى احتياجه الاستدانة في نظام معاشه لامطلقاً وهذا غير تقييد صاحب العروة (قدس سره) بل هو اعم منه لاضافة التقييد فيه بالاحتياج.
وبالجملة: ان في كلام الشيخ (قدس سره) تقييدين لصدق المؤونة على اداء الدين في سنة الربح.
1 – عدم تمكنه من الاداء سابقاً.
2 – عدم صرفه في غير حاجة.
ومراده من الحاجة الاحتياج الى الاستدانة في نظام معاشه.
وقد افاد صاحب الجواهر (قدس سره): «لا تعتبر الحاجة في الدين السابق مثلا لصيرورة وفائه بعد شغل الذمة به من الحاجة وإن لم يكن أصله كذلك»[4]وظاهره وان يوهم عدم التقييد بالحاجة في الدين السابق الا ان الحاجة في مقام اداء الدين منظورة عنده، وذلك لانه (قدس سره) قيد الدين في عام الربح انما يعد ما صرف في ادائه من المؤونة اذا كان محتاجاً الى الاستدانة وانه لا ترتفع حاجته الا بها وفي الدين السابق ايضاً يكون الاحتياج ملحوظاً في مقام ادائه الا انه (قدس سره) افاد عدم اعتباره من جهة تحققه قهراً بعد اشتغال ذمته بالدين وان كانت الاستدانة في وقتها لغير حاجة.
[1] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص 266- 267.
[2] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص 267- 268.
[3] الشيخ الانصاري، كتاب الخمس، ص202- 203.
[4] جواهر الكلام، ج16، ص62.