بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و پنج
وقد افاد الشيخ (قدس سره)في المقام:
« وقد عرفت مما ذكرنا: أن نصب هذه الطرق ليس إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع ومطابقتها له، فإذا دار الأمر بين إعمال ظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول. ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف، بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع، لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها واعتبار مساعدتها في إرادة الواقع، بل مؤدى وجوب العمل بها: جعلها عين الواقع ولو بحكم الشارع، لا قيدا له.
والحاصل: أنه فرق بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع: " لا أريد من الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق "، فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق، ولازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع، سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد، وبين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا على حاله، إلا أن الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدى الطريق هو ذلك الواقع، فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي، فإذا انسد طريق العلم إليه ودار الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي وبين الظن بما جعله الشارع واقعا فلا ترجيح، إذ الترجيح مبني على إغماض الشارع عن الواقع. وبذلك ظهر ما في قول بعضهم من: »
ومراده من هذا البعض الشيخ محمد تقي صاحب الهداية (قدس سره) وقد نقل الشيخ (قدس سره) ما افاده في الهداية بقوله:
« أن التسوية بين الظن بالواقع والظن بالطريق إنما يحسن لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل والطريق المقرر مستقلا، لقيام الظن في كل من التكليفين حينئذ مقام العلم به مع قطع النظر عن الآخر.
وأما لو كان أحد التكليفين منوطا بالآخر مقيدا له، فمجرد حصول الظن بأحدهما دون حصول الظن بالآخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة.
وحصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به، نظرا إلى أداء الواقع وكونه من الوجه المقرر، لكون العلم طريقا إلى الواقع في العقل والشرع، فلو كان الظن بالواقع ظنا بالطريق جرى ذلك فيه أيضا، لكنه ليس كذلك، فلذا لا يحكم بالبراءة معه»[1]
وحاصله: انه ليس اعتبار الظن بالواقع واعتبار الظن بالطريق على حد سواء والقول بتساويهما من حيث الاعتبار انما يصح اذا كان كل منهما تكليفاً مستقلاً للمكلف كان الظن في كل منهما قائماً مقام العلم مع قطع النظر عن الاخر.
ولكن في المقام ان التكليف باتيان الواقع منوط ومقيد بالتكليف بسلوك الطريق وليس مستقلاً، فاذا حصل له الظن بالواقع من غير ان يكون مؤدى الطريق لا تحصل له براءة الذمة منه.
وما يري من براءة الذمة في صورة العلم بالواقع باتيانه انما كان لجهتين:
جهة اتيانه بالواقع، وجهة ان اتيانه بالواقع انما وقع بحصول العلم بالواقع والعلم طريق الى الواقع عقلاً وشرعاً. ولا يكون الحال في الظن كذلك فان حصول الظن بالواقع ليس حصولاً للظن بالطريق.
وقد عرفت المناقشة في كلامه (قدس سره) من الشيخ وصاحب الكفاية:
بان في حال انسداد باب العلم والعلمي لكان الظن طريقاً كاشفاً عن الواقع عقلاً وشرعاً كالعلم، اما عقلاً فلانه اقرب الطرق الى الواقع فيستقل العقل بلزوم امتثال المكلف به من هذه الجهة، واما شرعاً، فلانه قد مر تقديره على حد الاقل لسيرة العقلاء وديدنهم في مقام الامساك على ما مر تفصيله.
ومعه كل شأن ثبت للعلم يثبت للظن وان حصول براءة الذمة باتيان التكليف المظنون انما كان من نفس الجهتين. الاتيان بالواقع باقرب طرق الوصول اليه، وكونه من الوجه المقرر من لزوم الامتثال الظني بعد عدم التمكن من الامتثال العلمي بلا فرق.
وان الفرق بينهما ينحصر في وجه الحجية وان العلم حجة ذاتية لا بجعل جاعل بخلاف الظن فان حجيته خاصة بصورة عدم التمكن من العلم، وباستقلال من العقل ولعل بالنصب من الشرع على ما سياتي البحث فيه.
الوجه الثاني: من الوجهين الذي لاختصاص اعتبار الظن بالطريق.
قال في الكفاية:
« ثانيهما: ما اختص به بعض المحققين.
قال: ( لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية، ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية، وأن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به، وسقوط تكليفنا عنا، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا، حسبما مر تفصيل القول فيه.
فحينئذ نقول:
إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع، فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به، وإن انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه، إذ هو الأقرب إلى العلم به.
فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل، بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف، دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع، كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن.»[2]
هذا ما نقله صاحب الكفاية عن بعض المحققين ومراده صاحب الهداية( قدس سره).
[1]. فرائد الاصول، ج1، ص453ـ 454؛ الشيخ محمد تقي النجفي الأصفهاني، هداية المسترشدين، ج3، ص361-362.
[2]. كفاية الاصول، ص319- 320.