درس خارج اصول مبحث الحجيت خبر الواحد جلسه هفتاد و نه
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و نه
ثم ان مقتضى حكم العقل في المقام بعد عدم تمكن المكلف من الامتثال العلمي وثبوت الاحكام في الشريعة بالعلم الاجمالي، لزوم اطاعة المولى بأقرب الطرق الاقرب فالاقرب، فاذا لم يمكن الامتثال العلمي تصل النوبة الى الامتثال الظني، وحيث ان للامتثال الظني مراتب بحسب مراتب الظن، فلا محالة يلزم الامتثال بالظن الاقرب بعد عدم التمكن من العلمي، ومعه لا مجال الى كفاية الامتثال بغيره من مراتب الظن، فإن من يتمكن من الامتثال الظني على حد التسعين بالمأة، لا يجوز له الامتثال به على حد الثمانين بالمأة وهكذا، ومن لا يتمكن من الامتثال الظني، اي الامتثال بالاحتمال الراجح تصل النوبة فيه الى الامتثال بالاحتمال الأدنى، فإن تمكن من الامتثال الاحتمال على حد الخمسين بالمأة، الذي يسمونه بالامتثال الشكي لا يجوز له الامتثال بالاحتمال الأدنى أي الأربعين بالمأة، ومن يتمكن منه لا يجوز له ذلك على حد الثلاثين بالمأة الى ان تصل النوبة الى الاحتمال الضعيف.
وعليه فإنه ليس للعقل حكم في الحقيقة باعتبار الظن بخصوصه في مقام الامتثال، بل انه يحكم بلزوم الامتثال بأقرب الطرق بعد عدم التمكن من الامتثال العلمي، وحيث ان مع التمكن عنه تصل النوبة الى الامتثال الاحتمالي الراجح الذي يعبر عنه بالامتثال الظني فإنما يحكم باعتبار الظن من جهة كونه اقرب الطرق الى الواقع والتحفظ على اغراض المولى، والا فإن الأقربية ربما تصدق على الامتثال الشكي والوهمي اذا لم يتمكن من الامتثال بالمرتبة الاعلى.
كما ان بعد التنزل عن الامتثال العلمي بقسميه من التفصيلي والاجمالي تصل النوبة الى الامتثال الغير العلمي الاقرب فالأقرب، ولا تفاوت بين مراتب الامتثال الظني والشكي والوهمي الا في رجحان الاحتمال وعدم رجحانه.
وفي الحقيقة ان بعد مرتبة الامتثال العلمي ليس لنا في الامتثال الا مرتبة واحدة وهي الامتثال الاحتمالي الأقرب فالأقرب، وأقرب مراتبها الاحتمال الراجح القريب الى العلم وآخرها الاحتمال الضعيف.
قال في الكفاية: «فصل هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع، أو بالطريق، أو بهما ؟ أقوال: والتحقيق أن يقال: إنه لا شبهة في أن هم العقل في كل حال إنما هو تحصيل الامن من تبعة التكاليف المعلومة، من العقوبة على مخالفتها، كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن منها، وفي أن كلما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا حال الانسداد جزما، وإن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك، لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم، وهو طريق شرعا وعقلا، أو بإتيانه الجعلي، وذلك لان العقل قد استقل بأن الاتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو، لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا. كيف ؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثا وإمضاء، إثباتا ونفيا، ولا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.
ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أنه قضية اختصاص المقدمات بالفروع، لعدم انسداد باب العلم في الأصول، وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها، والغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الامن من عقوبة التكاليف، وإن كان باب العلم في غالب الأصول مفتوحا، وذلك لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك بين الظنين، كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان:...»[1]
وحاصل ما افاده (قدس سره): ان معنى اعتبار العقل الظن عند الانسداد تنزيله منزلة القطع في كونه مؤمّناً كالقطع، وحيث ان القطع هو المؤمن في حال الانفتاح. بأن يكون المؤمن فيه القطع باتيان المكلف به الواقعي، والقطع باتيان المكلف به الظاهري الجعلي، فمقتضى تنزيل العقل هو كون الظن مؤمّناً في حال الانسداد، بأن يكون المؤمن فيه الظن باتيان المكلف به الواقعي، والظن باتيان المكلف به الظاهري الجعلي.
وبعبارة اخرى: ان في حال الانفتاح كان العلم بالواقع والعلم بالطريق المجعول شرعاً حجة بمعنى كونه منجزاً للواقع عند الاصابة ومعذراً عند الخطأ، ففي حال الانسداد كان هذا الشأن عيناً للظن بحكم العقل بمعنى ان الظن بالواقع والظن بالطريق المجعول منجزاً للواقع ومعذراً له. لأن العقل مستقل بأنه كلما كان العلم به حجة عند الانفتاح كان الظن به حجة عند الانسداد.
ثم ان صاحب الكفاية (قدس سره) تبع الشيخ في الرسائل في هذا المقام.
قال الشيخ (قدس سره): « وينبغي التنبيه على أمور: الأول أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام المجهولة.
فاعلم: أنه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي - كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي - وبين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري، كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا، فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة وإن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي، إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة، وليس الواقع بما هو واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرءا للذمة. فكما أنه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل العلم بنفس الواقع وبين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرءا للذمة في نظر الشارع، فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع وبين الظن ببراءة الذمة في نظر الشارع.»[2]
[1] كفاية الأصول، ص315-316.
[2] فرائد الأصول، ج1، ص437.