درس خارج اصول مبحث الحجيت خبر الواحد جلسه هفتاد و شش
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد شش
وقال الشيخ (قدس سره) في الرسائل:
« وأما رجوع هذا الجاهل الذي انسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلى فتوى العالم بها وتقليده فيها، فهو باطل، لوجهين:
أحدهما: الإجماع القطعي.
والثاني: أن الجاهل الذي وظيفته الرجوع إلى العالم هو الجاهل العاجز عن الفحص، وأما الجاهل الذي بذل الجهد وشاهد مستند العالم وغلطه في استناده إليه واعتقاده عنه، فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه، وليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل، فإن من يخطئ القائل بحجية خبر الواحد في فهم دلالة آية النبأ عليها كيف يجوز له متابعته ؟ وأي مزية له عليه حتى يجب رجوعه إليه ولا يجب العكس ؟
وهذا هو الوجه فيما أجمع عليه العلماء: من أن المجتهد إذا لم يجد دليلا في المسألة على التكليف كان حكمه الرجوع إلى البراءة، لا إلى من يعتقد وجود الدليل على التكليف.
والحاصل:
أن اعتقاد مجتهد ليس حجة على مجتهد آخر خال عن ذلك الاعتقاد، وأدلة وجوب رجوع الجاهل إلى العالم يراد بها العالم الذي يختفي منشأ علمه على ذلك الجاهل، لا مجرد المعتقد بالحكم، ولا فرق بين المجتهدين المعتقدين المختلفين في الاعتقاد، وبين المجتهدين اللذين أحدهما اعتقد الحكم عن دلالة، والآخر اعتقد فساد تلك الدلالة فلم يحصل له اعتقاد. وهذا شئ مطرد في باب مطلق رجوع الجاهل إلى العالم، شاهدا كان أو مفتيا أو غيرهما. »[1]
وقد ظهر: ان مفاد ادلة التقليد عقلية كانت او نقلية، رجوع الجاهل الذي لا يقدر على الوصول بالاحكام الى العالم المتمكن من ذلك، ولا فرق في عدم تمكنه من الوصول اليها بين جهله بها وبمبانيها، وبين تأمله و ترديده في المباني التي هي المستند للحكم، ورجوعه اليه لابد وأن يكون لاجل رفع الجهل، او رفع التأمل والترديد، وفي المقام ان العالم الانسدادي لا يرى في الانفتاحي ما يرفع تأمله، ويرى التزامه بالانفتاح خطأ وباطلاً وجهلا، فلا معنى لأن يكون التقليد مع ذلك طريقاً ومنهجاً له للوصول الى الاحكام المعلومة له بالاجمال، ويكون ذلك في الحقيقة رجوع العالم الى الجاهل، كما افاده الشيخ (قدس سره) و صرح به صاحب الكفاية. وهذا هو الشأن ايضاً للجاهل الذي فرض حصول العلم له بالحكم فإنه لا دليل على رجوعه الى من يرى خلاف ذلك، وكذا في المقلد الذي يرى الخدشة في مستند حكم الحاكم.
وأما الاجماع الذي ادعاه الشيخ (قدس سره) مع انه يمكن استناده الى هذا الوجه كذلك يمكن ان يكون نظر الشيخ (قدس سره) اتفاق الاصحاب على هذا الوجه اي الكبرى وهي عدم جواز رجوع العالم الى الجاهل، وكان انطباقها على المورد مسلماً، وهو في محله، الا انه لو كان نظره (قدس سره) تحقق الاجماع في الصغرى فيرد عليه ما مر من انه ليس من الاجماع المصطلح مع العلم بذهاب الاكثر الى الانفتاح.
ثم ان في بعض الكلمات احتمال الرجوع بعد ثبوت المقدمات المذكورة خصوصاً بعد عدم امكان الرجوع الى الاحتياط و غيره من الاصول العملية، وعدم تمامية التقليد، الى القرعة.
ولا يخفى وهنه:
وذلك لأن ما ورد في القرعة وانها لكل امر مشكل، وان كان ظاهره العموم، وان المقام من موارد انطباق عنوان المشكل، الا ان الالتزام بجريان قاعدتها في الشبهات الحكمية موضوع للتأمل فضلاً عن كونه طريقاً الى الوصول الى اكثر الاحكام المعلوم بالعلم الاجمالي المجهولة لنا تفصيلاً بناءً على الانسداد.
مع ان الالتزام بها في الشبهات الموضوعية متوقف عند الاكثر على ذهاب الاصحاب اليها وشهرتهم في الرجوع اليها، ولا ذهاب الا في موارد نادرة من الفقه. وتفصيل البحث فيها موكول الى محله.
[1] فرائد الأصول، ج 1، ص429-430.