بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفت و شش
ثم ان في فرض الاستفناء عن الانتفاع بالمذكورات كالكتب وحلي النساء وامثاله افاد صاحب العروة (قدس سره) بان الاحوط اخراج الخمس منها. وقال النراقي في المستند:
« لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها»[1]
وافاد السيد الحكيم:
«... فإنه إذا زالت الحاجة عنها فيما بعد من السنين لم تخرج عن كونها من مؤنة سنة الربح التي نفي الخمس فيها، ولا هي من أرباح سنة زوال الحاجة ليجب الخمس فيها. ولأجله يظهر ضعف الاحتياط المذكور.»[2]
وافاد السيد الخوئي قدس سره:
«... ولكن الظاهر عدم وجوب الخمس من غير فرق بين صورتي الاستغناء وعدمه. بيان ذلك إنا قد ذكرنا في محله في الأصول أنه إذا كان هناك عام أو مطلق وقد ورد عليه مخصص زماني فإن كان الزمان ملحوظا فيه بنحو المفردية بحيث كان له عموم أو اطلاق ازماني وافرادي فلوحظ كل زمان فردا مستقلا للعام في قبال الزمان الآخر كان المرجع فيما عدا المقدار المتقين من التخصيص هو عموم العام حتى إذا كان استصحاب المخصص جاريا في نفسه - مع أنه لا يجري لتعدد الموضوع - لتقدم الأصل اللفظي أعني أصالة العموم أو الاطلاق على الاستصحاب الذي هو أصل عملي.
وإن كان ملحوظا ظرفا لا قيدا فكان الثابت على كل فرد من العام حكما واحدا مستمرا لا أحكاما عديدة انحلالية فلا مجال حينئذ للتمسك بالعام حتى إذا لم يكن الاستصحاب جاريا في نفسه، إذ لم يلزم من استدامة الخروج تخصيص آخر زائدا على ما ثبت أولا ولا دليل على دخول الفرد بعد خروجه عن العام بل مقتضى الأصل البراءة عنه.
ولكن هذا كله مخصوص بما إذا كان التخصيص ازمانيا بأن تكفل دليل المخصص للاخراج في زمان خاص.
وأما إذا كان افراديا بأن أخرج فردا - عرضيا - من افراد العام كخروج زيد عن عموم وجوب اكرام العلماء فلا يجري فيه حينئذ ذاك الكلام فإنه خارج عن موضوع ذلك البحث، فإذا خرج زيد ولو في زمان واحد يؤخذ باطلاق دليل المخصص المقدم على عموم العام لعدم كون زيد فردين للعام كما لا يخفى. فسواء أكان الزمان مفردا أم لا لا مجال للتمسك فيه بأصالة العموم، بل المرجع أصالة البراءة عن تعلق الحكم به ثانيا.
وعليه فنقول، المستفاد من قوله عليه السلام: الخمس بعد المؤنة الذي هو بمثابة المخصص لعموم ما دل على وجوب الخمس في كل غنيمة وفائدة من الكتاب والسنة أن هذ الفرد من الربح وهو ما يحتاج إليه خلال السنة المعبر عنه بالمؤنة خارج عن عموم الدليل، والظاهر منه أن الخروج لم يكن بلحاظ الزمان بل هو متعلق بنفس هذا الفرد من الربح بالذات كما عرفت. فهو من قبيل التخصيص الأفرادي لا الأزماني.
كما أنه لم يكن مقيدا بعدم كونه مؤنة في السنة الآتية ولا بعدم الاستغناء عنه في السنين القادمة فيشمل كل ذلك بمقتضى الاطلاق. فهذا الفرد بعد خروجه لم يكن مشمولا لاطلاقات الخمس فيحتاج شمولها له ثانيا إلى الدليل ومقتضى الأصل البراءة، فلا موجب للاحتياط إلا استحبابا.
ومع التنازل عن هذا البيان وتسليم كون الخروج بلحاظ الزمان فلا ينبغي التأمل في عدم مفردية الزمان في عموم الخمس المتعلق بالأرباح ليلزم الانحلال، بل هو ظرف محض فلكل فرد من الربح حكم وحداني مستمر من الخمس تكليفا ووضعا، فإذا سقط الحكم عن فرد في زمان بدليل التخصيص احتاج عوده إلى دليل آخر بعد وضوح أن أصالة العموم لا تقتضيه لعدم استلزام التخصيص الزائد.
وبالجملة فعلى التقديرين أي سواء أكان التخصيص - فرديا كما هو الظاهر - أم زمانيا لم يجب الخمس بعد الاستغناء، إذ الموجب له كونه غنيمة والمفروض أن هذا الفرد حال كونه غنيمة لم يجب خمسه، لكونه من المؤنة. فعروض الوجوب ثانيا وخروج الخمس عن الملك يحتاج إلى الدليل ولا دليل. بل المرجع حينئذ اطلاق دليل المخصص أو استصحابه لا عموم العام، وتكفينا أصالة البراءة عن وجوب الخمس ثانيا بعد وضوح عدم كون المؤنة في السنة اللاحقة أو الاستغناء مصداقا جديدا للربح ليشمله عموم وجوب الخمس في كل فائدة.»[3]
ويمكن ان يقال: ان ما استدل له السيد الحكم (قدس سره) ونقله عن المستند بانه لو كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به، فالاقوى عدم الخمس فيها لاستصحاب عدمه.
يمكن ان ينظر فيه:
بانه لا موضوع في المقام للاستصحاب، لان تقريبه ان هذه الموارد كانت مستثناة عن عمومات وجوب الخمس بعنوان المؤونة، فالحكم فيها عدم وجوب الخمس في نفس سنة صرف المال فيها واشترائها، واما في السنوات المتأخرة فانما نشك في انها محكومة بما عليها من عدم وجوب الخمس ام لا فنستصحب عدم الوجوب. وهذا قابل للمناقشة، لان المؤونة المستثناة انما قيدت بالسنة بمفهومها العرفي كما مر منه ومن الماتن (قدس سرهما). ومعه فان الحكم بعدم الوجوب ليس حكما عارضاً على موضوع المؤنة الى الابد، بل هو عارض على الموضوع بقيد انها مؤونة السنة، ومع مضي السنة ينقضي الحكم العارض من عدم وجوب الخمس بمقتضى استثناء العنوان فهي مال غير داخل في حالها في مؤنة السنة، فيلزم دخولها في عمومات الخمس.
واما بالنسبة الى ما افاده السيد الخوئي (قدس سره):
فيمكن ان ينظر فيه بانه اذا كانت المستثناة من عمومات وجوب الخمس مؤونة السنة بخصوصها ووجه التقييد بالسنة في كلمات الاصحاب اما الاجماع او تقييد العرف والتزم (قدس سره) بالاخير فكيف يمكن القول بان الزمان ظرف في تخصيص المؤونة ولا يكون مفرداً فان هذا ينافي تقييدها بالسنة.
نعم لم يقيد بعدم كونها من مؤونة السنة الاتية، ولكن التقييد بالسنة اي سنة الربح تتكفل الدلالة على ذلك، ولا يلتزم هو بان المستثنى ما هو الاعم من مؤنة سنته ومؤنة السنوات المتأخرة. ولا نحتاج في مفردية الزمان الى اكثر من ذلك.
هذا مع انه لو تكفل التخصيص لاخراج الفرد عن عموم العام، ولكن لا بلحاظ ذاته وبعنوان انه فرد، بل بعنوان تعنون الفرد بعنوان كان هو الاساس في اخراج الفرد عن عموم العام، فان الخروج عنه محقق بالنسبة الى الفرد المذكور مادام معنوناً بذلك العنوان، ومع فرض انتفاء العنوان ينتفي الخروج لا محالة. كما اذا قال: (اكرم العلماء) واخرج منه زيد بما انه معنون بعنوان الفاسق، فان مع زوال عنوان الفسق ينتفي خروج المعنون عن عموم الاكرام.
وفي المقام ان الموارد المذكورة من قبيل الدار والفراش والاواني وامثاله بما ان الشخص محتاج اليها في ادارة معاشه في سنته تعنون بعنوان مؤؤنة السنة وانما تخرج عن عمومات الخمس بما انها معنونة بالعنوان المذكور. فمع انقضاء السنة وانقضاء الانتفاع بها في سنته تخرج عن عنوان ما يحتاج اليه لموؤنته في سنته، ومع سلب العنوان لا وجه لشمول دليل المخصص له، كما لا وجه لاستصحاب حكم المخصص. فان المحتاج اليه في سنته الانتفاع بها فيها لا اكثر، واما الانتفاع بها في السنوات الاتية وان كان محتاجاً اليه في الزمان المتأخر الا انه موضوع جديد لا يتكفل دليل التخصيص لشموله.
مضافاً الى انه قد مر في كلامه (قدس سره) وكذا في كلام السيد الحكيم من ان هذه الموارد بعد مضي السنة لا يثبت لها حكم وجوب الخمس بعد خروجها عن شموله حيث افاد: «فعروض الوجوب ثانيا وخروج الخمس عن الملك يحتاج إلى الدليل ولا دليل»[4]، فانه يكفي للدلالة عمومات الخمس الشاملة لهذه الموارد قبل خروجها بعنوان مؤنة السنة، فاذا لم يثبت خروجها بعد مضي السنة فلا محالة يثبت العموم.
[1] مستند الشيعة، ج10، ص71.
[2] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص545.
[3] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص258-261.
[4]. السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص260