بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و دو
ثم انه افاد صاحب العروة قدس سره في ذيل المسألة:
« ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك مما لو لم يكن عنده كان من المؤنة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة وأخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلا.»[1] قال السيد الحكيم في المستمسك:
«كما قواه في الجواهر، واستظهره شيخنا الأعظم ( ره ). لظهور المؤنة المستثناة فيما يحتاج إليه، ومع وجود الأمور المذكورة يكون مستغنيا غير محتاج. مضافا إلى أن ظاهر دليل استثناء مقدار الربح الراجع للمؤنة خصوص ما يصرف ويبذل لتحصيلها، لا استثناء مقدارها مطلقا. ويفترق هذا الوجه عن الأول: أن الأول يمنع من شراء دار أخرى للسكنى مثلا إذا كان مستغنيا بداره الموجودة. والثاني لا يمنع من ذلك، وإن كانا يشتركان في المنع، من احتساب قيمة ما يجده من المؤن»[2].
و افاد السيد الخوئي (قدس سره) بعد ذكر قول صاحب العروة «لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة»:
«لانتفاء موضوع المؤونة والاستغناء عنها بعد تملك تلك الأعيان فلا مقتضى للاخراج عن الربح. وأما إخراج المقدار واحتساب القيمة فلا دليل عليه بتاتا. فإن المستثنى من الأدلة إنما هي المؤونة الفعلية لا التقديرية وبنحو القضية الشرطية لكي تحتسب القيمة والمفروض انتفاء الفعلية فلا موضوع للاستثناء. ولو فرضنا الاجمال في تلك الأدلة كان المرجع إطلاقات الخمس للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقن وهي المؤونة الفعلية شأن كل عنوان أخذ في موضوع الحكم فيرجع في التقديرية إلى إطلاقات الخمس في كل فائدة كما عرفت»[3]
والعمدة بعنوان الدليل في كلمات العلمين، عدم شمول مفهوم المؤونة بالنسبة الى المورد، لان المؤونة في متعارف الناس ما يحتاج اليه الشخص لادارة معاشه، فلو كان عنده دار قد انتقلت اليه بالارث وكان يسكن فيها، فهو متمكن من السكنى وغير محتاج الى تهيئتها، وكذا لو كان عنده دار اشتراها من ارباح السنة السابقة، واطلاق عنوان المؤونة واستثناؤها من ارباح سنته يقتضي عدم تعلق الخمس بما يصرفه في مؤونته من ارباح سنته، وحيث ان المفهوم يقيّد بما يحتاج اليه فيها بحسب شأنه عرفاً، فلا تشمل احتساب سكنى الدار الموجودة عنده المنتقلة اليه بارث او تبرع او شراء من ارباح سنواته السابقة، ولا احتساب نظائرها كالفراش والآنية واسباب البيت، لانه ليس مصداقاً لما يحتاج لصرف ربحه فيه.
وقد افاد صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام:
«نعم قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار وعبد ونحوه مما هو من المؤونة إن لم يكن عنده من الأرباح، لظهور المؤونة في الاحتياج وإرادة الارفاق فمع فرض استغنائه عن ذلك ولو بسبب انتقال بإرث ونحوه مما لا خمس فيه وقد بنى على الاكتفاء به يتجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المؤونة»[4]
وفي كلمات الشيخ (قدس سره) في رسالة الخمس:
«ولو تبرع متبرع بمؤنة فالظاهر عدم وضع مقدار المؤنة لما سيجئ من العبرة بما ينفقه فعلا بل كذلك لو اختار المؤنة كلا أو بعضا من المال الأخر الغير المخمس فليس له الانذار من الربح وما تقدم من اختيار اخراج المؤنة من الربح فمعناه جواز الاخراج من الربح لا استثناء مقابل المؤنة من الربح وان أخرجها من غيره أو اسقطها مسقط تبرعا أو تركها الشخص تقتيرا وقولهم إن الخمس فيما يفضل معناه ما يفضل عما ينفقه فعلا لا ما عدا مقابل المؤنة»[5]
والحاصل:
ان اساس النظر في هذه المسألة عدم احتساب ما عنده مما يحتاج اليه في مؤونته باي سبب كان من المؤونة المستثناة، وعمدة الدليل فيه اخذ الاحتياج في مفهوم المؤونة عرفاً. وان المراد من المؤونة المؤونة الفعلية اي ما ينفقه فعلاً.
ثم ان نظر صاحب العروة (قدس سره) جواز اخذ المؤونة من ارباح السنة لمن كان عنده مال اخر من ربح مخمس او ارث او هبة او غير ذلك، ولا يجب عليه اخذها من المال المذكور، ولكن المهم هنا ان اطلاق استثناء المؤنة من الخمس في الاخبار الواردة في المقام هل يقتضي احتساب ما يصرفه في مؤونته من ارباح سنته، ولو اخذ ما يصرفه في ذلك من غيرها، كما افاده السيد البروجردي (قدس سره) او انه اذا اخذ ذلك من مال اخر، فلا يحتسب من ارباح سنته كما هو ظاهر صاحب العروة (قدس سره) والشيخ وغيره، والظاهر ان الفرق بين القولين انما هو في الاخذ، سواء أكان من الارباح او من مال اخر مع اشتراك القولين في استثناء مؤونته من الارباح.
فانه لا يبعد ان يقال ان مقتضى استثناء مؤونة السنة من ارباحها عدم تعلق الخمس بالمقدار الذي يصرف عادة في مؤونة سنته، فان المؤونة بمفهومها العرفي اي ما يحتاج اليه لادارة معاشه بمقدارها تستثنى عن عمومات الخمس من غير فرق بين ان يؤخذ من ارباح السنة او من المال الاخر الذي كان في يده او استقرضه للصرف في المؤونة، فانه لا موضوعية لخصوص الاخذ من الارباح، بل العبرة بالمقدار الذي يصرف فيها، وان اطلاق قوله (عليه السلام) «الخمس بعد المؤونة» يقتضي تعلق الخمس بعدم احتساب المؤونة وانه لاموضوعية في هذه الادلة للاخذ، ولم يقيد هذا الاطلاق بان لايؤخذ من غير الارباح، ويشهد لذلك ما لو اخذ ما يصرف في مؤونة من الاستقراض فانه لاشبهة في احتسابه من ارباح السنة وهو المتداول بين الناس.
هذا مع انه قل بين ارباب الكسب والتجارة والزراعة اخذ مصارفهم في المؤونة من نفس ارباح السنة، لانه ليس حصول الربح امراً متحققاً دائماً في ابتداء سنته ولذا شاع بينهم اخذ ما يصرف في المؤونة من اموال اخرى كالمال الموجود المخمس عنده او المال المنتقل اليه بالارث، وليس احتساب ذلك المأخوذ من غير الربح من الربح في مقام محاسبة الخمس امراً منكراً بينهم.
وعليه فان ما افاده السيد البروجردي، وقد مر نقل كلامه لايخلو من دقة.
ولكن مع الالتزام به لايلزم احتساب ما عنده من الدار وغيرها المعنون في المسألة الاخيرة من ارباح السنة للفرق بين المقامين،
وذلك لان من كان عنده دار او فراش ينتفع به في معاشه بلا فرق بين الاسباب الموجبة لانتقال ما لايحتاج في ادارة معاشه الى تحصيله والمؤونة انما هي ما يحتاج اليه الشخص له.
وهذا بخلاف ما لو كان له مال اخر اخذ مؤونته او مقداراً من مؤونته منه، فانه وان لم يكن محتاجاً الى اخذ مؤونته من ارباح سنته الا انه يحتاج الى صرف المال في مؤونته والاحتياج وان كان ماخوذاً في مفهوم المؤونة الا انه ليس ماخوذاً في استثناء مؤونة السنة من ارباحها كما مر في كلام السيد الخوئي (قدس سره) واطلاق استثناء المؤنة من الخمس احتساب مقدار المؤونة من الخمس سواء اخذه من نفس ارباح السنة او من غيره.
نعم في نفس مفهوم المؤونة عرفاً اخذ عنوان الاحتياج فلا يشمل ما يتمكن منه كالسكنى وامثالها.
[1]. العروة الوثقى(المحشي)، ج4، ص288
[2] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص541.
[3]. السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص256.
[4]. جواهر الكلام، ج16، ص 64.
[5]الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة(ط، ق)، ج2، ص535.