بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و سه
وأفاد في ذلك في الفائدة السابعة:
« قال الشيخ (قدس سره) لتقريب ترتب حجية الظن على المقدمات الأربع ما حاصله: ان مراتب الامتثال أربع:
الأولى: العلمي التفصيلي. الثانية: العلمي الاجمالي. الثالثة: الظني. الرابعة: الاحتمالي.
أقول: الظاهر عدم ارتباط مراتب الامتثال بما نحن فيه لوجهين:
الوجه الأول: ان مراتب الامتثال انما هي فيما إذا كان التكليف ثابتا معلوما منجزا لا إجمال فيه فتصدى الانسان لامتثاله، فيتصور فيه المراتب المذكورة وفيما نحن فيه يكون البحث في أصل تنجز التكليف وان المتنجز ما أدى الظن إلى ثبوته.
وبعبارة أخرى: البحث في العلم الاجمالي وكذا الظن في جهتين: 1 - في مقام إثبات التكليف به وتنجزه بسببه. 2 - في مقام إسقاط التكليف المنجز وامتثاله بعد الفراغ عن تنجزه قبلا. والبحث في دليل الانسداد انما هو في الجهة الأولى، إذ البحث في إثبات تنجز ما أدى إليه الظن من المعلوم بالاجمال بسبب قيام الظن ومراتب الامتثال مربوطة بالجهة الثانية.
الوجه الثاني: ان مراتب الامتثال تتمشى فيما إذا كان هنا تكليف في واقعة فتردد امره بين ان يمتثل بالعلم التفصيلي أو الاجمالي أو الظن أو الاحتمال فيحكم العقل بالترتب في مقام الامتثال، وليست فيما نحن فيه واقعة واحدة تردد امرها بينها بل هنا وقائع متعددة بعضها مظنونة وبعضها مشكوكة وبعضها موهومة فيتردد الامر بين الاخذ بالوقائع المظنونة وترك الوقائع الموهومة والمشكوكة و بين الاخذ بالمشكوكة أو الموهومة وترك غيرها فإذا أخذ بالوقائع المظنونة لا يكون الاخذ بها امتثالا ظنيا بالنسبة إلى الوقائع المشكوكة والموهومة كما أنه إذا أخذ بالمشكوكة مثلا لا يكون الاخذ بها امتثالا احتماليا للوقائع المظنونة، وبالجملة، فمراتب الامتثال لا ترتبط بباب الانسداد أصلا.
ثم إن في المقام كلاما اخر وهو ان المعلوم إجمالا في المقام هل هو ثبوت تكاليف فعلية لا يرضى المولى بتركها سواء كانت هذه التكاليف بحسب الواقع في ضمن المظنونات أو المشكوكات أو الموهومات.
وبعبارة أخرى: يكون التكليف على فرض تحققه في ضمن المشكوكات أو الموهومات مثل ما إذا كان في ضمن المظنونات في كونه فعليا ومنجزا أو لا تكون كذلك بل يعلم بثبوت تكاليف تكون فعلية ومنجزة إذا كانت بحسب الواقع في المظنونات دون ما إذا كانت في ضمن غيرها ؟ كلام القوم مجمل من هذه الجهة. فتدبر. »[1]
وأورد عليه المحقق المقرّر: « لم يظهر مراد الأستاذ هنا كاملا وما هو المتراءى من ظاهر كلامه لا يخلو من نظر بكلا وجهيه، فإنه بعد العلم إجمالا بثبوت التكاليف أو العلم بفعليتها وتنجزها مع ما عليه من الجهل على فرض ثبوتها وتحققها يكون البحث في دليل الانسداد عما هو مقتضى القاعدة في مقام امتثالها، ولا تختص مراتب الامتثال بصورة ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي، ولا بما إذا كان المعلوم واقعة واحدة و المفروض فيما نحن فيه هو العلم بوقائع متعددة يحتمل كون جميعها في المظنونات أو في المشكوكات أو في الموهومات كما يحتمل التبعيض. و الاخذ بالظن ليس الا لكون الاخذ به موجبا لتحقق الامتثال الظني بالنسبة إلى جميع الوقائع الواقعية والتكاليف المعلومة.»[2]
ويمكن ان يقال: ان موضوع كلام الشيخ (قدس سره) ان مع العلم الاجمالي بثبوت احكام في الشريعة فلابد من الاحتياط التام في جميع الاطراف وهو يستلزم العسر، وأما التبعيض في الاحتياط بالتحفظ على الاطراف المظنونة والمشكوكة دون الموهومة، وأما الالتزام بحجية الظن، وهذا امر واضح في كلامه (قدس سره)، وإنما المشكل عنده تعين الاحتياط او الالتزام باعتبار الظن، وظاهر ما افاده انه لا يتم تعين الظن الا مع ثبوت بطلان الاحتياط.
ولكن كلام السيد البروجردي ناظر الى جهة اخرى. وهي ان الاحتياط مما لا يمكن الالتزام به في اطراف المعلوم بالاجمال على ما مر تقريبه، هذا مع انه (قدس سره) مع التزامه بانحلال العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي الصغير في دائرة المظنونات، ومراده منها الوقائع المظنونة التي قامت الامارة على طبقها.
وعليه لا وجه للالتزام بالاحتياط التام حتى في المشكوكات والموهومات.
هذا ما افاده في الفائدة الثالثة.
افاد هناك: انه لا وجه للبحث عن مراتب الامتثال في المقام، لأن هذه المراتب انما يفيد البحث عنها اذا كان الامتثال بجميعها ممكناً فيقع البحث بعد ذلك في انه هل يمكن الاكتفاء بالامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي او هل يمكن الاكتفاء بالامتثال الظني مع التمكن من الامتثال الاجمالي. وهذا البحث غير جار في المقام.
وذلك، لأنه لو كانت العبرة بالتكليف الفعلي المنجز وأنه كيف يكون امتثاله، فلا محالة ان العلم الاجمالي اذا كان مؤثر في هذا التنجيز فإنه يلزم الاحتياط التام حتى في الموهومات لأن التكليف المنجز المحتمل فيها ربما لا يكون الشارع راضياً بتركه. ومع الالتزام بالانحلال اي انحلال العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي في دائرة المظنونات، فتكون نتيجتها لزوم التحفظ على اغراض المولى فيها بالاحتياط، وهو لا يعبر عنه بالتبعيض لأنه لا يرى التكاليف الفعلية المعلومة اجمالاً من اول الأمر الا في ضمن الاخبار والشهرات المفيدة للظن. وفي هذه المرتبة لا يرى امكان الاحتياط حسب ما مر تقريبه، فلا يبقى طريق لثبوت هذه الاحكام الا الظن.
وإنما التزم بالظن من باب الحكومة اي حكم العقل بسلوك اقرب الطرق الى الواقع، وحكمه بفعلية الاحكام التي قام عليها الطريق الظني، وأنه يصح للمولى الاحتجاج بسببه.
والحاصل: ان اساس نظر السيد البروجردي في صورة ثبوت العلم الاجمالي وانسداد باب العلمي حكم العقل بفعلية الاحكام التي حصل للمكلف الظن بها، وعلى نظره هذا يرتبط البحث بمقام ثبوت التكليف، اي ثبوت فعليتها دون سقوطه ومقام الامتثال ومعه لا وجه للبحث عن مراتب الامتثال فيه. والاحتياط في دائرة المظنونات وإن كان اقرب الطرق الى الواقع عنده الا انه وإن يمكن الالتزام به في دائرة العبادات وأنه لا يرى العسر فيها حتى في صورة التحفظ على الموهومات، اي التكاليف المحتملة الا انه لا يلتزم بإمكانه في جميع الاحكام حسب ما مر تقريبه في كلامه (قدس سره). وعليه، فإن ما اورد عليه المحقق المقرر (قدس سره) غير مرتبط بما افاده. وما اورده على الاحتياط في المقام اشكال قوي يلزم للقائل به دفعه.
.[1] نقلا من الكتاب نهاية الأصول، ص551- 552.