بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هفت
وظاهره (قدس سره) التأكيد على تنجيز العلم بنحو العلية كما افاده هناك في الحاشية.
ثم انه (قدس سره) ضعف احتمال التفصيل في تأثير العلم الاجمالي بين الموافقة القطعية وبين الموافقة الاحتمالية بالالتزام، بأن تأثيره في الاول يكون بنحو الاقتضاء، وفي الثاني بنحو العلية، وأفاد في وجه ضعفه:
« ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة، فلا يكون عدم القطع بذلك معها موجبا لجواز الاذن في الاقتحام، بل لو صح الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا، فافهم.»
فإنه (قدس سره) وإن دفع الاحتمال حسب ما اختاره في متن الكفاية في مباحث القطع من كون تأثير العلم الاجمالي على نحو الاقتضاء، الا ان اساس دفعه منطبق على ما حققه في الحاشية هناك من ان الاعتبار بفعلية المعلوم ولا فرق من جهة الموافقين.
والتحقيق:
ان الاجماع الذي ادعاه الشيخ (قدس سره) كالاجماع الذي ادعاه في عدم جواز الاهمال اجماع تقديري، اذ ليس سبيل تحصيله الوقوف على آراء المجمعين، بل انما يحصله المتتبع بعد الوقوف على مباني المجمعين في كيفية الالتزام بامتثال التكاليف، ووجدان الطريق اليه بعد فرض انسداد باب العلم والعلمي، وبما ان جل الاصحاب لولا كلهم لا يلتزمون بالانسداد الكبير فإنه يشكل جداً تحصيل الاجماع المذكور بالوقوف على مبانيهم في هذا المقام، وذلك لأنه كما يحتمل ان يكون التزامهم بوجوب الاحتياط، لأجل عدم تأثير العلم الإجمالي في التنجيز على نحو العلية التامة كما احتمله صاحب الكفاية، يحتمل استناده في فرض الانسداد الى استلزم العسر و الحرج في التحفظ على الواقع بإتيان جميع المحتملات والتزامهم بالتبعيض فيه بالأخذ بالمظنونات، ولذا يشكل جداً اسناد الالتزام بعدم جواز الاحتياط او عدم وجوبه في خصوص المظنونات اليهم، وقد مر في كلماتهم ما يفيد انه لولا الالتزام بالاخبار الموجودة في ايدينا لم يوجد طريق للوصول الى الاحكام الثابتة في الشريعة فإنه من المحتمل جداً انحلال العلم الاجمالي بثبوت الاحكام في الشريعة بالاخبار الموجودة عندهم، وإن اعتبار الاخبار كان لأجل التحفظ على ما ثبت بها بمقتضى الاحتياط دون اعتبار الخبر بخصوصه.
وبالجملة ان مع احتمال التزامهم بالتبعيض في الاحتياط بأي صورة، خصوصاً مع عدم استلزمه حسب الفرض العسر والحرج فكيف يمكن ان القول باجماعهم على عدم جواز الاحتياط او عدم وجوبه.
وعليه فإن الاجماع غير كونه اجمالاً تقديرياً يحتمل قوياً استناده الى ما لا يتم الالتزام به من المباني المأخوذة عندهم في فرض انسداد باب العلم، فما افاده صاحب الكفاية في مقام نقد الاجماع كلام متين يسقط به الاجماع المدعى.
وأما ما افاده (قدس سره) في الحاشية في مقام نقد الاجماع في حاشيته على الرسائل من احتمال ان يكون وجه عدم التزام البعض بالاحتياط عدم تنجز التكليف بالعلم الاجمالي عنده.
فإنه وان كان محتملاً جداً والتزم به بعض الاصحاب واختاره (قدس سره) في الكفاية في مباحث القطع وبه ينهدم اساس الاجماع المدعى من الشيخ (قدس سره).
الا انه لابد من الدقة في ان جل الاصحاب التزموا بتنجيز العلم الاجمالي على نحو العلية التامة وقد نرى ذلك بمقتضي آرائهم في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي بين الاطراف المحصورة، وان لم يتعرضوا لخصوصيات ما اختاروا من المبنى في الاصول.
كما يلزم الدقة في ان اساس دليل الانسداد حسب ما عرفت العلم الاجمالي بثبوت الاحكام في الشريعة، ومع الالتزام بعدم تنجيز العلم المذكور ليس لنا دافع لجريان الاصول المرخصة في الاطراف المحتملة للحكم، وقد عرفت عدم تمامية الوجوه التي اقامها الشيخ على اثبات عدم جواز الاهمال لما مر من انه لولا العلم المنجر فلا تكليف حتى يلتزم من جريان البرائة في موارد احتمالها اهمال فضلاً عن الخروج عن الدين ضرورة ان الثابت بالبرائة او الاستصحاب حكم شرعي ظاهري فعلي لا سبيل معه للحكم الواقعي الغير الفعلي كما في سائر موارده، او صرف كثرة موارده لا توجب محذوراً، وليس الاهمال في عدم امتثالها الا اهمالا للأحكام الغير الفعلية ولا محذور فيه. كما مر من ان الخروج عن الدين لا يلزم ترك مجموع الأحكام عمداً، لأن التدين بالدين عند الجميع الالتزام بالاصول الاعتقادية دون الامتثال في احكام الشريعة.
وعليه فإن مع عدم تنجز العلم الاجمالي بالالتزام بمسلك الاقتضاء حسب ما قرره صاحب الكفاية المستلزم لامكان جريان الاصول المرخصة في اطراف العلم الاجمالي ينهدم اساس دليل الانسداد.
وصاحب الكفاية وإن كان متردداً بين المبنى المذكور ومسلك العلية التامة في الفصول المختلفة في الكفاية وسائر كتبه، الا ان بيانه في المقام يستوجب التوقف في البحث وصرف العنان الى حد تأثير العلم الاجمالي.
فنقول: ان حجية العلم حجية ذاتية ليست بجعل جاعل، ومعنى الحجية الكاشفية الذاتية و هذا الكاشف الذاتي علة تامة لانكشاف معلومه، ويتبعه التنجيز وهو جعل مسئولية المعلوم على عنق العالم به، فلا شبهة في تقبيح العقل المخالفة له بأي وجه، وهذا مما لا شبهة فيه.
انما الكلام في ان العلم الاجمالي كيف يمكن خروجه عن هذه الكاشفية والتنجيز؟
ربما يقال: ان العلم الاجمال لا ينكشف به المعلوم تمام الانكشاف، ووجهه انه اذا تردد المعلوم بين الامرين فلا محالة يحتمل في كل طرف بخصوصه عدم وجود المعلوم، وإن شئت قلت: جهل بوجه بالنسبة الى المعلوم، ولذا ربما يقال في تعريفه انه علم مشوب بالجهل، ولذا يقال ان رتبة الحكم الظاهري محفوظ في اطراف العلم الاجمالي، لأن موضوع الحكم الظاهري الجهل بالواقع والشك فيه، وحيث ان في كل طرف من اطراف العلم الاجمالي بخصوصه لا يرتفع الجهل والشك بالواقع، فلذا يقال ان موضوع الحكم الظاهري متحقق فيه.
ولكن المشكل هنا ان هذا المعنى انما تحقق في كل طرف من اطراف العلم بخصوصه مع قطع النظر عن الطرف الاخر، واما بالنظر اليه فإنه ليس الواقع مجهولاً ولا الحكم الواقعي مشكوكاً، لأن المعلوم المنكشف في البين لا شبهة في كونه منكشفاً بالعلم الكاشف الذاتي التي يتبعه التنجيز وتقبيح العقل المخالفة له بأي وجه.
ولذلك ان المهم في المقام هو ان الشك والجهل المتحقق في كل طرف من اطراف العلم بخصوصه هل يمكن موضوعيته للحكم الظاهري ام لا؟
فيمكن ان يقال: انه اذا امكن قطع النظر عن الطرف الآخر، وحصر النظر على الطرف بخصوصه فإنه لا مانع من تحقق الموضوع للحكم الظاهري، وأما مع النظر الى الطرف الاخر فهل يتحقق الموضوع المذكور، وهنا يمكن قطع النظر عن الطرف الاخر وحصره في خصوص الطرف الخاص، ومعنى امكان قطع النظر المنع عن الكاشفية الذاتية، وعليه الكاشف لانكشاف معلولها وتبعية التنجيز وتقبيح العقل المخالفة له بأي وجه.
نعم ربما يتفق ذلك بانعدام الطرف الاخر، او خروجه عن تعلق التنجيز، بحيث لا يبقى في الطرف الموجود الا الاحتمال والشك المحض، بلا اقتران بالعلم الكاشف.