بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و نه
وليعلم ان ما نقله عن صاحب العروة (قدس سره) ربما يستفاد من كلمات غيره ايضاً كما مر ذيل ما افاده الشيخ (قدس سره) في كتاب الخمس حيث افاد: «فيستثنى لأداني الأغنياء من حيث الغنى و الشرف، الصدقات المندوبة المتعارفة، لا مثل بناء المساجد فضلا عن الهدايا و التحف للسلاطين لغير غرض ملزم، و إن كان حسنا.
فيمكن ان يقال: قدمر ان المؤنة ما يصرفه في رفع حوائجه و نظام معاشه وحدها ان لا يعد عند العرف والعقلاء اسرافهاً وقد مر تفصيل الكلام فيه وليعلم ان هذا يحاسب بحسب شانه واللائق بحاله. ولكن يختص بالامور الدنيوية اي امور معاشه الفردية والاجتماعية والعائلية، واما الامور الاخروية وما يصرفه في سبيل الله طلباً لمرضاته فان صرف المال فيه لا يعد اسرافاً عنه العرف والعقلاء وذلك: لان الاسراف والتبذير انما يصدق مع صرف المال لا لغرض وداع عقلائي، واما صرفه لجلب المنفعة كدفع الضرر ولو كانت من المنافع الاخروية فهو صرف لغرض عقلائي و لايعد اسرافاً بلغ ما بلغ، وقد مر في كلام السيد البروجردي (قدس سره): « فإن العرف لا يرى تفاوتا في صحة إطلاق المؤنة بين ما يتوقف عليه الحياة ضرورة كالمأكل و المشرب و ما يستكمل به حيوته و لا يتفاوت عنده أيضا الحياة المادي و المعنوي»
وقد نقل قبل ذلك كلام المحقق كاشف الغطاء: «ان كل ما يتعارف بين الناس صرف المال فيه فهو مؤنة يستثني من الفوائد المكتسبة سواء كان أمرا عقلائيا أم شرعيا وجب إتيانه أم لا»
وظاهر ما افاده وان كان جعل الامور العقلائية في قبال الشرعية وكان نظره الشريف الى ان المؤنة ما يصرف فيها المال بوجه عقلائي كما انه تصدق على ما يصرف فيه المال في الجهات الشرعية الا انه قد مر ان صرف المال للاغراض الشرعية واجبة كانت او مستحبة لاينفك عن العقلائية لانه صرف المال في جلب المصالح وهو من مصاديق الاغراض العقلائية
الا انه صريح في ان صرف المال في الامور الشرعية واجبة كانت او منذربة يعد من المؤنة مطلقاً
وعليه فما افاده السيد الخوئي (قدس سره): في غاية المتانة وان الشأن الشرعي للمسلم في هذه الجهة ما يوفقه الله لاتيانه مطلقاً فانه في سعة من بذل ما حصله من المال ابتغاء لمرضاته بلغ ما بلغ. نعم اذا كان صرف المال في الامور الشرعية مستلزماً لعدم قيامه بالوظائف المقررة له عقلاً في معاشه العائلي بحيث يستوجب لوم العقلاء له من جهته لخرج صرفه عن الدواعي العقلائية بل الشرعية ولكن هذا امر اخر غير ما كان السيد الخوئي (رضوان الله عليه) بصدد بيانه.
الثاني: قال المحقق النراقي في المستند:« أنّ ما كان لغوا- كسفر لا حاجة إليه، أو دار زائدة أو تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة- و ما كان معصية- كمؤنة الملاهي، و تصوير البيت بذات روح، و سفر المعصية، و معونة الظالم، و نحوها- ليس من المؤنة، لما ذكر من صحّة السلب. و كذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة و الهديّة اللائقان بحاله، و قال: إنّه لا دليل على احتسابه. و كذا ترديده في مئونة الحجّ المندوب و سائر سفر الطاعة المندوبة. و هما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، و هو كذلك، فلا يحتسب إلّا مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما. وصحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلّا أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة، فلا يحسب مطلق الضيافة و لا الصدقة و لا الصلة و لا الهديّة و لا الأسفار المندوبة، و لا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة و لو بقدر اقتصادها. » وظاهر ما افاده وما نقله عن السيد المجاهد ان الميزان هو الاقتصار في المؤنة على قدر الضرورة بلافرق بين الامور الدنيوية والاخروية وقد قدمر في كلام النراقي ايضاً: «المفهوم لغة وعرفاً من مؤونة الشخص ما دعته اليه من المخارج المالية ضرورة او حاجة بحسب اللائق بحاله عادة»
وقد مر عن الشيخ (قدس سره): «... وقد قيّد ذلك [المؤونة] في بعض الفتاوى ومعاقد الاجماع بالاقتصاد. فان اريد به ما يقابل الاسراف فلا مضايقة، وان اريد به التوسط ففي اعتباره نظر.»
فالمستفاد من كلماتهم اعتبار الاقتصاد في المؤونة، او ما يحتاج اليه ضرورة، والمراد الاقتصاد في المؤونة على قدر الضرورة.
والمبحوث عنه في المقام هو ان في المؤونة مضافاً الى ان المراد منها في العرف ما يصرفه الشخص فيما يحتاج اليه في امور معاشه مما كانت موضوعة للاغراض العقلائية وان لا تعد سفهاً ولا اسرافاً هل يعتبر فيها الاقتصاد بمعنى الصرف بقدر الضرورة لا اكثر منه وان كان موضوعاً لغرض عقلائي ولا يعد سفهاً ولا اسرافاً كما مثل النراقي به لسفر لا حاجة اليه او تمثيل بعض الاجلة بمؤونة الحج المندوب وانه لا يحتسب من المؤنة الا مع دعاء الضرورة العادية اليه؟
فادعى المحقق العراقي (قدس سره) بان هذا هو المراد من مفهوم المؤنة لغة وعرفاً وقد مر انها في اللغة انها بمعنى القوت او الثقل والشدة، والمعنى الاول وان كان اخص من الثاني الا انه لم يقيد فيها بالضرورة.
نعم ربما يقال ان العرف يرى المؤونة ما يحتاج اليه الشخص في معاشه والاحتياج مساوق للضرورة كما يظهر من كلام المحقق النراقي (قدس سره) حيث فسر المؤونة ما دعته اليه من المخارج المالية ضرورة او حاجة بحسب اللائق بحاله.
ولكن المشكل هنا ان الضرورة غير الحاجة، بل هي اخص لحصره فيما لا يمكن الاعاشة بدونه، مع سعة الحاجة مفهوماً في متعارف الناس.
ومع ذلك فانه لو فرضنا صرفه المال في المؤونة التي كانت اكثر من قدر احتياجه او اكثر من ضرورته و لا يعد سرفاً ولا سفهاً عند العقلاء فهل تستثنى المؤونة بهذا المعنى عن عموم ادلة الخمس ام لا؟
ويمكن ان يقال:
ان العرف يفسر المؤونة بما يوظف الشخص في معاشه بحيث لا يعد سفهاً ولا اسرافاً فما يصرفه الشخص فيه بحسب حاله وشأنه ولا يعد صرفه فيه سفهاً ولا اسرافاً تكون مؤنة وان كانت خارجة عن الاعتدال، فالمعنى في العرف ما يصرفه مما يقوم به الاغراض العقلائية ولا يؤخذ في المفهوم عرفاً الاعتدال ولا الضرورة، نعم ربما يفسر مراد العرف في الكلمات بالمتعارف ولكن المتعارف غير الاعتدال الضروره، فما يخرج عن المتعارف يعد اسرافاً عندهم.
وعلى هذا فان عنوان الاقتصاد المذكور في بعض الكلمات بعنوان قيد المؤونة اذا كان المراد منه ما يقابل الاسراف فهو تام لانه كان بمعنى اختصاص المؤونة المستثناة بما تقوم عليها الاغراض العقلائية كما مر
وان كان المراد منه التوسط حسب تعبير الشيخ (قدس سره) او الاعتدال فلا وجه لتقييد المفهوم به عرفاً ولا لغة، ولعل المراد منه المتعارف وهو حسن.
فما افاده الشيخ (قدس سره) في المقام هو الوجه.
هذا بالنسبة الى المؤونة في امور معاشه، واما فيها في امور معاده وان قيدت المؤونة به في الكلمات ومعاقد الاجماعات حسب تعبير الشيخ الا انه قد مر ان هذه الامور بلغت اي رتبة لا يخرج عن الاغراض العقلائية ولا يعتبر فيها الاعتدال ولا التوسط.
. كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)؛ ص: 201ـ202.
. مستند الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج10، ص: 67.
. مستند الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج10، ص: 66.
. الشيخ الانصاري، كتاب الخمس ، ص201.