بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و سه
وحاصل ما افاده:
انه يدل على المقدمة الثانية وهي عدم جواز الاهمال في الوقائع المشتبهة و ترك التعرض لامتثالها وجوه:
الاول:
قيام الاجماع على ان في فرض انسداد باب العلم والعلمي لا يتم الالتزام بالبرائة واجراء اصالة العدم في كل حكم بل يلزم المتعرض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما.
وهذا وان لم يصرح به في كلماتهم الا ان المتتبع في طريقتهم يظفر به، مع ان كثيراً منهم ذكروا ان مع تعذر العلم يقوم مقامه الظن.
حكي عن السيد المرتضى ذلك، وقد ادعى العلامة في المختلف الاجماع عليه في قضاء الفوائت.
الثاني:
ان الالتزام بنفي الحكم مستنداً الى البرائة و غيرها في موارد تعذر العلم والعلمي يستلزم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها في لسان جماعة بالخروج عن الدين. ووجهه ان الاحكام التي يحصل بها العلم قليلة، وأما الاحكام المجهولة التي اعرض عنها كثيرة، فلو اقتصرنا على اخذ المعلومات والتزمنا بنفي الحكم في المجهولات الكثيرة، لزمت المخالفة القطعية لها، وهو يستلزم الخروج عن الدين.
وذكر (قدس سره) بعض ما يدل على ذلك من كلمات الاصحاب (قدس الله اسراهم).
وأفاد بعد ذلك: وبالجملة ان خلو اكثر الاحكام عن المدرك المستلزم للرجوع فيها الى نفي الحكم وعدم الالتزام في معظم الفقه بحكم تكليفي كأنه امر مفروغ البطلان.
وقال: بل الانصاف، انه لو فرض، والعياذ بالله، فقد الظن المطلق في معظم الاحكام، كان الواجب الرجوع الى الامتثال الاحتمالي بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الاحكام الواقعية.
الثالث:
ان في المقام قام العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة، ولا وجه بجريان البرائة فيه، لأن ادلة البرائة مختصة بغير هذه الصورة، وأنه قد ثبت ان مجرى البرائة الشك في اصل التكليف دون الشك في تعيين التكليف مع العلم بثبوت اصله والمقام من هذا القبيل، فلا وجه للالتزام بالبرائة فيه اذا لم يصل المعلوم الاجمالي الى حد الشبهة غير المحصورة.
ثم نقل الشيخ (قدس سره) بعض ما اورد على هذا الوجه من الاشكال:
منها – اذا فرضنا ان ظن المجتهد ادى في جميع الوقائع الى ما يوافق البرائة، فما نصنع؟
ومنها – ما نقله الشيخ (قدس سره) عن الحواشي الجمالية على القوانين ما حاصله: ان في فرض الانسداد لا وجه للعمل بالظن، وذلك لأن كل حكم حصل العلم به من ضرورة او اجماع نحكم به، وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بالبرائة، والأخذ بالبرائة في هذا المقام ليس من جهة افادتها الظن، ولا من جهة قيام الاجماع على الاخذ بها، بل لأن العقل حاكم مع عدم ثبوت التكليف علماً او علمياً ببرائة الذمة عن التكليف، وعدم جواز العقاب على تركه، فلا يكفي الظن، وأيد ما افاده بما ورد من النهي عن اتباع الظن.
ثم نقل الاشكال في جريان البرائة في المقام عن صاحب المعالم (قدس سره) وشيخنا البهائي (قدس سره) في الزبدة بتقريب: ان اعتبار اصالة البرائة انما يكون بالظن والاخبار التي بأيدينا من امارات الظن، ولا وجه للأخذ بالظن في مقابل الامارة الظنية، لأن كليهما مفيدة للظن ولا وجه لترجيح البرائة.
واجاب نفسه عنه: ان اعتبار البرائة ليس من جهة افادتها الظن، لأن هذه الجهة لا تكفي في اعتبارها، بل ان اعتبارها يكون من جهة حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان.
ثم نقل اشكال المحقق صاحب القوانين (قدس سره) على منع اعتبار البرائة من جهة حكم العقل بما حاصله: انه ما المراد من الحكم العقلي المستند للبرائة في المقام؟
هل المراد منه انه يكون مقتضى البرائة نفي الحكم قطعاً، او نفيه ظناً.
فإن كان المراد ان مقتضاها نفي الحكم قطعاً، فلا سبيل اليه فإن ملاحظة ادلة المثبتين والنافين عقلية او نقلية تفيد انه ليس مقتضى البرائة القطع بنفي الحكم.
ولو سلمنا انها تفيد نفي الحكم قطعاً، فإنه يختص بزمان قبل ورود الشرع. لأن بعد ورود الشرع حصل العلم الإجمالي بورود أحكام وهذا العلم يمنع عن جريان البرائة والحكم بعدم التكليف قطعاً.
ومع التسلم وعدم ما يفيد العلم الاجمالي المذكور، فإنه لا يحصل القطع بعدم التكليف اذا ورد لنا في مورده الخبر الواحد الصحيح على خلافه.
وإن كان المراد ان مقتضاها نفي الحكم ظناً. سواء قلنا بأن البرائة المذكورة تفيد الظن او قلنا بنفي الحكم مستنداً الى استصحاب الحالة السابقة – اي استصحاب البرائة الاصلية –
فإنه لا يتم القول به، لأن المستفاد منها الظن الذي استفيد من ظاهر الكتاب والاخبار ولم يرد دليل على حجيته بالخصوص.
ومع التسليم لا سبيل الى اعتباره بعد ورود الشرع.
ومع التسلم، لا وجه للاستناد اليه بعد التمكن من الخبر الواحد الذي يفيد الظن الاقوى من الظن المذكور.
وأورد عليه الشيخ (قدس سره):
بأن حكم العقل بقبح المؤاخذة بلا بيان حكم قطعي جار في جميع الموارد سواء كان قبل ورود الشرع او بعده، وصرح بأنه لم يقع في هذه الجهة خلاف بين العقلاء.
ومدعى القائلون بوجوب الاحتياط في موارد الشبهة واحتمال الحكم ورود البيان من الشارع بوجوب الاحتياط، ويدفعون هذا الحكم من العقل بثبوت البيان النافي لقبح التكليف.
وأما الخبر الصحيح، فإن قام على اعتباره دليل معتبر من الشارع فهو ايضاً بيان ولا وجه معه لجريان البرائة، والا فإن مع عدم قيام الدليل على اعتباره، فإنه لا اثر لحصول الظن منه، ولا اعتبار للظن الحاصل منه، فلا يمكنه المنع عن جريان الحكم العقلي المذكور.
وعليه فإن كون الظن بياناً في قبال الحكم العقلي يحتاج إلى قيام الدليل من الشرع.
والشيخ نفسه دفع الالتزام بالبرائة في موارد احتمال الحكم في المقام بوجوه ثلاثة:
1 - ان العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة يمنع عن حصول الظن بعدم التكاليف في موارد احتمالها.
وعبّر (قدس سره) بأن الظن بالسالبة الكلية يناقض العلم بالموجبة الجزئية.
انه ولو فرضنا ان ظن المجتهد في جميع الوقائع ادى الى ما يوافق البرائة، فإنه فرض غير واقع وذلك لأن الامارات التي يحصل للمجتهد منها الظن بالحكم اكثرها الاخبار الواردة في اثبات التكليف وجوباً وتحريماً، ومع حصول الظن منها بالتكليف يمنع حصول الظن بعدم التكليف في جميع الوقائع، فإنه امر يعلم عادة بعدم وقوعه.
3 – ان مع التسلم والالتزام بوقوع ذلك اي حصول الظن بعدم التكليف في جميع الوقائع في المقام، فإن المانع عن العمل بنفي التكليف في جميع هذه الوقائع العلم الاجمالي الذي مر الكلام فيه في الوجه الاول، ومقتضى العلم المذكور تنجيزالتكاليف المزبورة على المكلف.
ومع قطع النظر عن العلم الاجمالي فإن الظن الحاصل للمجتهد بعدم التكليف في موارد احتمال الحكم ذات تشكيك بين القوي والضعيف.
ففيما حصل له الظن الضعيف بعدم الحكم فإنه يلتزم بعدم التكليف بمقتضى الاحتياط، ومراده من الظن الضعيف الوهم والاحتمال المرجوح.
ويلتزم في موارد حصول الظن القوي بنفي التكليف بمقتضى البرائة ومراده منه الاحتمال الراجح، ومع فرض تساوي الاحتمالين وعبر عنه بالتسوية في القوة والضعف، فإنه كان الحكم التنجيز كما لو لم يحصل له الظن بشيء من الطرفين، وهذا إذا لم يتيسر له الاحتياط، وإن تيسر فالفتوى المستندة اليه يتعين لنفسه و لم يجز لغيره تقليده.
وذكر (قدس سره): ان هذا مجرد فرض لأن اكثر الامارات مثبتة للتكليف اي يحتمل التكليف بالاحتمال الراجح.