الوجه الرابع من الوجوه التي استدل بها لاعتبار الظن المطلق الدليل المشهور بدليل الانسداد.
قال صاحب الكفاية (قدس سره):
« الرابع: دليل الانسداد، وهو مؤلف من مقدمات، يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف، ولا يكاد يستقل بها بدونها، وهي خمس.
أولها: إنه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة ثانيها: إنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها
ثالثها: إنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا
رابعها: إنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا، بل لا يجوز في الجملة، كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة، من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط، ولا إلى فتوى العالم بحكمها
خامسها: إنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا، فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة، وإلا لزم - بعد انسداد باب العلم والعلمي بها - إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة، مع قطع النظر عن العلم بها، أو التقليد فيها، أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية.»
وقال الشيخ (قدس سره) في الرسائل:
« الدليل الرابع: هو الدليل المعروف بدليل الانسداد وهو مركب من مقدمات:
الأولى: انسداد باب العلم والظن الخاص في معظم المسائل الفقهية.
الثانية: أنه لا يجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة، وترك التعرض لامتثالها بنحو من أنحاء امتثال الجاهل العاجز عن العلم التفصيلي، بأن نقتصر في الإطاعة على التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا أو بالظن الخاص القائم مقام العلم بنص الشارع، ونجعل أنفسنا في تلك الموارد ممن لا حكم عليه فيها كالأطفال والبهائم، أو ممن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم.
الثالثة: أنه إذا وجب التعرض لامتثالها فليس امتثالها بالطرق الشرعية المقررة للجاهل: من الأخذ بالاحتياط الموجب للعلم الإجمالي بالامتثال، أو الأخذ في كل مسألة بالأصل المتبع شرعا في نفس تلك المسألة مع قطع النظر عن ملاحظتها منضمة إلى غيرها من المجهولات، أو الأخذ بفتوى العالم بتلك المسألة وتقليده فيها.
الرابعة: أنه إذا بطل الرجوع في الامتثال إلى الطرق الشرعية المذكورة - لعدم الوجوب في بعضها وعدم الجواز في الآخر -، والمفروض عدم سقوط الامتثال بمقتضى المقدمة الثانية، تعين بحكم العقل المستقل الرجوع إلى الامتثال الظني والموافقة الظنية للواقع، ولا يجوز العدول عنه إلى الموافقة الوهمية بأن يؤخذ بالطرف المرجوح، ولا إلى الامتثال الاحتمالي والموافقة الشكية بأن يعتمد على أحد طرفي المسألة من دون تحصيل الظن فيها، أو يعتمد على ما يحتمل كونه طريقا شرعيا للامتثال من دون إفادته للظن أصلا.»
وفي كلام الشيخ كما تراه ابتناء دليل الانسداد على مقدمات اربعة، وهي في كلام صاحب الكفاية مقدمات خمسة بزيادة ما افاده بعنوان المقدمة الاولى، وهي العلم الاجمالي بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة، وكلام الشيخ خالي عنها فإنه بدء بالمقدمة الثانية من مقدمات صاحب الكفاية وهي انسداد باب العلم والظن الخاص وجعلها المقدمة الاولى لدليل الانسداد.
ولعل عدم ذكر المقدمة الأولى في كلام صاحب الكفاية، في عداد مقدمات الشيخ بداهتها كما اعترف بها صاحب الكفاية (قدس سره) بها على ما سيأتي.