بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه یکم
ومن الاخبار التي استدل بها علي حجية الاستصحاب صحيحة اخري لزرارة.
قال في الكفاية:
«ومنها: صحيحة ثالثة لزرارة: واذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ، وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين فيبنى عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات...).
وهذا ما رواه الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم عن ابيه وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة عن احدهما.
وقد نقل في الوسائل الرواية مقطعة في المقام بعين ما نقله صاحب الكفاية ولكن في الكافي نقل قبل هذه الفقرة:
«قال ـ اي زرارة ـ قلت له: من لم يدر في اربع هو ام في ثنتين وقد احرز الثنتين؟ قال: يركع ركعتين واربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه. واذا لم يدر في ثلاث هو او في اربع وقد احرز الثلاث.....[1]
هذه الرواية استدل بها لحجية الاستصحاب في الوافية وشرحه، وتبعه جماعة كالمحدث البحراني في الحدائق والوحيد البهبهاني في الرسائل الاصولية وكذا صاحب الفصول والمحقق القمي في القوانين.
قال صاحب الكفاية:
«والاستدلال بها علي الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في إتيانها .
وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة ، ضرورة أن قضيته إضافة ركعة أخرى موصولة ، والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة ، وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ ، بما علمه الإمام عليه السلام من الاحتياط بالبناء على الأكثر ، والاتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة».[2]
والظاهر ان ما افاده قدس سره في المقام تقرير لكلام الشيخ في الرسائل حيث قال بعد نقل الرواية:
«وقد تمسك بها في الوافية، وقرره الشارح وتبعه جماعة ممن تأخر عنه وفيه تأمل:
لأنه ان كان المراد بقوله (ع) «قام فأضاف اليها اخري» القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة، حتي يكون حاصل الجواب هو: البناء علي الاقل ، فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامة. ومخالف لظاهر الفقرة الاولي من قوله: «يركع ركعتين بفاتحة الكتاب» فإن ظاهرها بقرينة تعيين الفاتحة، ارادة ركعتين منفصلتين اعني صلاة الاحتياط.
فتعين ان يكون المراد به القيام ـ بعد التسليم في الركعة المرددة ـ الي ركعة مستقلة، كما هو مذهب الامامية.
فالمراد باليقين، كما في اليقين الوارد في الموثقة الأتية ـ ومراده موثقة اسحاق بن عمار الآتية عن ابي الحسن (ع) قال: اذا شككت فابن علي اليقين، قلت: هذا اصل؟ قال: نعم ـ علي ما صرح به السيد المرتضي قدس سره، واستفيد من قوله (ع) في اخبار الاحتياط ان كنت قد نقصت فكذا، وإن كنت قد اتممت فكذا، هو اليقين بالبرائة، فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبرائة، بالبناء علي الاكثر، وفعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه.
وقد اريد من اليقين والاحتياط في غير واحد من الاخبار هذا النحو من العمل:
منها: قوله (ع) في الموثقة الآتية: «اذا شككت فابن علي اليقين.»
فهذه الاخبار الآمرة بالبناء علي اليقين وعدم نقضه يراد منها:
ـ البناء علي ما هو من المتيقن من العدد، والتسليم عليه، مع جبره بصلاة الاحتياط، ولهذا ذكر في غير واحد من الاخبار ما يدل على ان هذا العمل محرز للواقع، مثل قوله (ع) «الا اعلّمك شيئاً اذا صنعته ثم ذكرت انك نقصت او اتممت، لم يكن عليك شئٌ؟»[3]
ومحصل ما افاده قدس سره:
انه اذا كان المراد من قول الامام (ع) في الصحيحة: قام فأضاف اليها اخري. الاتيان بركعة اخري موصولة وأن المراد باليقين فيها بقوله: ولا بنقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين، اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة ـ حسب تعبير صاحب الكفاية، لتم الاستدلال بالصحيحة لاعتبار الاستصحاب.
الا ان المشكل فيه عدم تمامية ارادة ذلك حسب مذهبنا.
فيلزم حمل اليقين علي اليقين بالفراغ او اليقين بالبرائة، ومعه لا يتم الاستدلال بها في المقام.
وقد اجاب صاحب الكفاية عن اشكال الشيخ قدس سره بما لفظه:
«ويمكن ذبه:
بأن الاحتياط كذلك لا يأبي عن ارادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة، بل كان اصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الامر اتيانها مفصولة ينافي اطلاق النقض، وقد قام الدليل علي التقييد في الشك في الرابعة وغيره، وأن المشكوكة لابد وأن يؤتي بها مفصولة فافهم.»[4]
ومحصله:
ان في الصحيحة نقطتان في مقام الاستناد:
الاول: ان الاتيان بالرابعة مشكوك، وقد امر فيها بالبناء علي الاقل اي المتيقن بمعني البناء علي عدم الاتيان بالرابعة عند الشك. فمقتضي البناء علي اليقين عند الشك البناء علي عدم الاتيان بالرابعة، بأن يكون المراد من اليقين اليقين بعدم الاتيان بالركعة المشكوكة وهي الركعة الرابعة.
الثاني:
ان مقتضي اطلاق النقض، الاتيان بالمشكوكة موصولة، ولكن في الصحيحة قامت القرينة علي تقييد الاطلاق في النقض ولزوم اتيانها مفصولة، وهذا المعني لا يوجب خللاً في اصل اقتضاء الرواية بالبناء علي اليقين وعدم الاتيان بالمشكوكة.
وعليه فإن لزوم الاتيان بالمشكوكة منفصلة لا يوجب عدم دلالة الحديث علي الاستصحاب. وان كون مقتضي الاحتياط واليقين بالبرائة، الاتيان بالمشكوكة مفصولة لا ينافي كون المراد من اليقين في الرواية اليقين بعدم الاتيان بالمشكوكة كما هو مقتضي الاستصحاب.
والقرينة الدالة علي لزوم الاتيان بالمشكوكة مفصولة. قوله (ع): يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب، حيث ان التقييد بالقيام بالفاتحة له ظهور في كونهما مفصولة، في الفقرة الاولي من الرواية.
كما انه وردت في غير واحد من الاخبار لزوم الاتيان بالرابعة مفصولة كموثقة اسحاق بن عمار كما مر في كلام الشيخ وغيرها.
[1]. وسائل الشیعة (آل البیت)، ج 8، الباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ص220، الحدیث10471/3. الكافي، ج 3، کتاب الصلاۀ، باب السهو فی الثلاث و الرابع، ص352 الحديث3.
[2] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص396.
[3]. وسائل الشیعة (آل البیت)، ج 8، الباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ص220، الحدیث10471/3.
[4]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص396.