بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوم
قال صاحب العروة:
«مسأله 75: لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء لم يكفه ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه . ولا يكفيه إدراك
أحد الوقوفين مسلما ، لأن إحرامه باطل»[1]
وهي تشتمل علي فرعين:
الاول:
انه لو كان كافراً واحرم في حال كفره، ثم أسلم في اثناء الاعمال فانه يبطل حجه ووجب عليه الاحرام من الميقات بعد اسلامه.
وذلك: لان الاسلام شرط لصحة جميع اجزاء الحج ومنها الاحرام فلو احرم كافراً، لم ينعقد احرامه صحيحاً لفقد شرطه، فيجب عليه الرجوع الى الميقات والاحرام من جديد.
ولا يكفي في صحة حجه ادراك احد الموقفين مسلماً، لانه لو ادرك احد الموقفين مسلماً، فلا يجزي حجه لبطلان احرامه واعماله السابقة على اسلامه، وما ورد من الاجتزاء بادراك احد الموقفين مورده العبد بان احرم عبداً وادرك احد الموقفين حراً، وقد التزمنا بإسراء الحكم منها الى الصبي الذي بلغ في الاثناء وادرك احد الموقفين بالغاً بعد انعقاد احرامه في حال عدم بلوغه.
ولا يتم الاسراء من النصوص الى كل من ادرك احد الموقفين حائزاً لشرائط الحج لما مر من اشتراط الاحرام كغيره من اعمال الحج بالإسلام ولا ينعقد الاحرام صحيحاً في حال الكفر وكذا الاعمال السابقة على اسلامه.
الثاني:
اذا اسلم الكافر في اثناء الحج ولم يتمكن من العود الى الميقات فهل يجزي احرامه من مكانه او لا؟.
وقد التزم صاحب العروة بالاجزاء بقوله:
«ولو لم يتمكن من العود الى الميقات احرم من موضعه»
ومعنى ذلك صحة احرمه في حال الاسلام من غير الميقات باسقاط شرطية كون الاحرام من الميقات، عند عدم تمكنه من الرجوع اليه بعد اسلامه.
فيلزمه الاحرام من مكانه والاتيان بأعمال الحج ثانياً لو أتى بها قبل اسلامه.
وافاد السيد الحكيم في ذيل القول المذكور من صاحب العروة:
«كما ذكر في الشرائع وغيرها، وعلله في المدارك: بانه ثبت ذلك في الناسي والجاهل، والمسلم في المقام اعذر منهما وانسب بالتخفيف.»[2]
واورد عليه بقوله:
«لكنه غير ظاهر إذا كان عالما عامدا . إلا أن يثبت ذلك في العامد إذا تعذر عليه العود..»
ويرجع الاشكال الى أنَّ ما ورد على جواز الاحرام من مكانه عند عدم التمكن من العود الى الميقات هل يشمل جميع من لم يتمكن ولو كان عالماً عامداً، او انه يختص بالناسي والجاهل.
واختار صاحب العروة (قدس سره) كالمحقق وصاحب المدارك شمول الدليل للكافر الذي أسلم في الاثناء ولم يتمكن من العود وان لم يلتزموا بشموله لجميع من لم يتمكن من العود ولو كان عالماً عامداً، ولذا علله في المدارك، بان جواز الاحرام من مكانه نحو تخفيف لغير المتمكن من العود لأنه معذور في ترك الاحرام من الميقات، وافاد بان من اسلم في الاثناء اعذر من الناسي والجاهل وانسب بالتخفيف. وهذا المعنى تام اذا كان الكافر حال احرامه في الميقات جاهلاً بالحكم او غافلاً عنه ـ اي بطلان الاحرام حال الكفر ـ
ولكن ظاهر صاحب العروة اطلاق الفتوى وعدم اختصاصها بما لو كان جاهلاً أو غافلاً به.
وعليه فانه يبتني على شمول الحكم للعامد لو تعذر عليه العود ولا يختص الحكم بخصوص الناسي او الجاهل.
كما ان ظاهر اعلام المحشين الموافقة معه في ذلك.
ثم ان بناءً على كفاية الاحرام من مكانه فما غايته، فأفاد المحقق قدس سره وان ضاق الوقت احرم ولو بعرفات.
واورد عليه الشهيد في المسالك بانه ينبغي ان يقول: احرم ولو بالمشعر اذ هو الفرد الخفي ومقتضي الترقي والتعميم ذلك.
ومختار المشهور: ان غاية مكان الاحرام هي عرفات.
ويمكن انتصار المشهور بانه لو احرم بعد مضي وقت الادراك في عرفات فانه لا يكفي ذلك اذا اتى به في المشعر، لأنه فات منه الوقوف بعرفات، وبما انه يلزم اشتراط جميع اعمال الحج بالإسلام وبما انه لا يمكن تدارك وقوفه بعرفات مسلماً، فيلزم ان تكون غاية مكان الاحرام هي عرفات.
ثم انه لو أحرم من عرفات وصح حجه، فهل يجب عليه أن يعتمر بعد الحج، او يكتفي بذلك.
افاد الشهيد في المسالك: بانه عليه أنْ يعتمر وينقلب حجه الى حج الافراد لنه من موارد الضرورة التي ينقلب الحج فيها.
ويمكن أنْ يقال:
ان الحج اسم لمجموع العمرة والحج، فيلزم في صحة الحج الاتيان بجميع اعمال الحج في حال الاسلام، لاشتراطها بالإسلام كما مر، ومن جملتها اعمال العمرة، وحيث ان الكافر الذي اتى بإحرام الحج وكان تمتعاً فان ما اتى من قبل ذلك من اعمال العمرة اتى بها في حال كفره، ولا يتم الاجتزاء به، وقد دخل في الحج، فلا مناص له الا الاتيان بأعمال العمرة بعد الحج بانقلاب حجه من التمتع الى الافراد.
ولا يتم الاشكال على الشهيد بما ورد من ان «من ادرك المشعر فقد ادرك الحج، والحج شامل لمجموع اعمال العمرة والحج، فاذا ادرك المشعر ادرك جميعها حائزاً للشرائط.
وذلك لما مرَّ من ان مورد هذه الاخبار العبد الذي صار حراً في اثناء الحج، ولا يتم اسراء الحكم منها الى الفاقد لشرط الإسلام، وان امكن ذلك فيمن كان فاقداً لسائر الشرائط.
وصاحب العروة (قدس سره) لم يتعرض لهذين المسألتين في المقام وتفصيل الكلام فيها في محله.
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص448.
[2] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص219.