بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دهم
ثم ان السيد الخوئي (قدس سره) استدل لما اختاره في المقام، وهو قبول توبة المرتد الفطري وقبول اسلامه واقعاً وظاهراً وعبر عنه بالقول الوسط:
«ويدل على ذلك:
اولاً: صدق المسلم عليه من دون عناية، إذ لا نعني بالمسلم إلا من أظهر الشهادتين وأعترف بالمعاد وبما جاء به النبي صلى الله عليه وآله المفروض أن المرتد بعد توبته معترف بذلك كله فلا وجه معه للحكم بنجاسته.
بل لا دليل على هذا المدعى سوى ما ورد في جملة من الأخبار من أن الفطري لا يستتاب وأنه لا توبة له ولا يمكن الاستدلال به على المدعى
لوضوح: أن عدم استتابته لا يقتضي كفره ونجاسته على تقدير توبته فلعل عدم استتابته من جهة أو توبته لا يترتب عليها ارتفاع الأحكام الثلاثة الثابتة عليه بالارتداد فلا أثر لتوبته بالإضافة إليها.
وقد تقدم أن عدم ارتفاع الأحكام الثلاثة أعم من الكفر.
وأما ما دل على أنه لا توبة له:
فهو وإن كان قد يتوهم دلالته على كفره ونجاسته لأنه لو كان مسلما قبلت توبته لا محالة.
إلا أنه أيضا كسابقه.
حيث أن التوبة ليست إلا بمعنى إظهار الندم وهو يتحقق من الفطري على الفرض فلا معنى لنفي توبته سوى نفي آثارها.
وعلى ذلك فمعنى أن الفطري لا توبة له : أن القتل وبينونة زوجته وتقسيم أمواله لا يرتفع عنه بتوبته وأن توبته كعدمها من هذه الجهة ولا منافاة بين ذلك وبين اسلامه بوجه.
ويمكن حمله:
على نفي الأعم من الآثار الدنيوية والاخروية وأنه مضافا إلى قتله وغيره من الأحكام السابقة آنفا يعاقب بارتداده أيضا ولا يرتفع عنه القعاب بتوبته لأن ما دل على أن التائب من ذنب كمن لا ذنب له وغيره من أدلة التوبة. لا مانع من أن يخصص بما دل على أن الفطري لا تقبل توبته إلا أنه لا يدل على عدم قبول اسلامه بوجه.
وتوضيح ما ذكرناه:
أن المعصية الصادرة خارجا قد يقوم الدليل على أن الآثار المترتبة عليها غير زائلة إلى الأبد وإن زالت المعصية نفسها.
وذلك: لاطلاق دليل تلك الآثار أو عمومه لدلالته على أن المعصية بحدوثها وصرف وجودها كافية في بقاء آثارها إلى الأبد.
وقد لا يقوم دليل على بقاء آثار المعصية بعد ارتفاعها لعدم العموم والاطلاق في دليلها بحيث لا يستفاد منه سوى ترتب الأثر على المعصية ما دامت موجودة.
ثم إن الآثار المترتبة على المعصية قد تكون تكوينية كاستحقاق العقاب وقد تكون شرعية كوجوب القتل وجواز تقسيم المال ونحوهما.
أما القسم الأول: من المعصية:
فمقتضى اطلاق أو عموم الأدلة الدالة على آثارها وإن كان بقاء تلك الآثار وإن ارتفعت المعصية إلا أنه قد يقوم الدليل على أن المعصية المتحققة كلا معصية وكأنها لم توجد من الابتداء ومعه ترتفع الآثار المترتبة على صرف وجودها لا محالة وهذا كما في دليل التوبة لدلالته على أن التوبة تمحي السيئة. العصيان وأن التائب من ذنب كمن لا ذنب له ومعناه أن المعصية الصادرة كغير الصادرة فلا يبقى مع التوبة شئ من آثار المعصية بوجه.
نعم: قد يرد مخصص على هذا الدليل ويدل على أن التوبة مثلا لا توجب ارتفاع المعصية المعينة كما ورد في المرتد عن فطرة ودل على أنه لا توبة له وأنها لا تقبل منه فتوبته كعدمها ومعه إذا كان لدليل آثارها اطلاق أو عموم فلا مناص من الالتزام ببقائها فلا بد من النظر إلى الآثار المترتبة على الارتداد لنرى أبها يثبت على المعصية الارتدادية مطلقا وأيها يثبت عليها ما دامت باقية. فيقول : أما استحقاق العقاب والخلود في النار.
فمقتضى قوله عز من قائل { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما}[1]
أن الخلود في النار إنما هو من الآثار المترتبة على الكفر حال الموت دون من لم يتصف به حينه فارتفاع المعصية الكفرية يقتضي الحكم بعدم الخلود في النار فإذا أسلم المرتد وتاب ولم يبق على كفره إلى حين موته أرتفع عنه العقاب والخلود.
وهذا لا من جهة دليل التوبة حتى يدعى أن توبة المرتد كعدمها لأنه لا تقبل توبته بل من جهة القصور في دليل الأثر المترتب على الارتداد لاختصاصه بما إذا كان باقيا حال الممات ومع القصور في المقتضي لا حاجة إلى التمسك بدليل التوبة لأنه إنما يحتاج إليه في رفع الآثار التي لولاه كانت باقية بحالها.
وأما بقية الأحكام المترتبة على الكفر والارتداد:
كنجاسة بدنه وعدم جواز تزوجيه المرأة المسلمة وعدم توارثه من المسلم ونحوها فهي أيضا كسابقها لارتفاعها بارتفاع موضوعها الذي هو الكفر لوضوح أن نجاسة اليهود والنصارى مثلا على تقدير القول بها إنما تترتب على عنوان اليهودي أو النصراني ونحوهما فإذا أسلم وتاب لم يصدق عليه عنوانهما فترتفع نجاسته وغيرها من الآثار المترتبة على عنوانهما لقصور أدلتها وعدم شمولها لما بعد اسلامه من غير حاجة إلى التشبث بدليل التوبة ليقال أن المرتد لا توبة له.
وأما وجوب قتل المرتد وبينونة زوجته وتقسيم أمواله فلا مناص من الالتزام ببقائها وعدم ارتفاعها بتوبته وذلك لاطلاق أدلتها فليراجع.
وإن زال كفره وارتداده بسببها فهو مسلم يجب قتله ولا غرابة في ذلك لأن المسلم قد يحكم بقتله كما في اللواط وبعض أقسام الزنا والافطار في نهار شهر رمضان متعمدا على الشروط والتفاصيل المذكورة في محلها هذا كله في الوجه الأول مما يمكن الاستدلال به على المختار.
[1] . سورة النساء، الاية 18.