بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه بیست و نهم
هذا، ثم انه اورد علي ما افاده صاحب الكفاية بوجوه:
منها:
انه قدس سره افاد بأن مع عدم تمامية الاستناد الي اطلاق قوله: كل شيء .....
للشئ بعنوان المشتبه، لأن الشبهة بحسب عروض الشك ليس من حالات الشيء بل من حالات المكلف، وأنه ليس نظير العدالة والفسق العارضين علي العالم الموضوع لوجوب الاكرام من حالاته.
امكن التمسك لشمول الشيء في موارد الشبهة بعموم الحكم الواقع علي الشيء من جهة ان الفرد المشتبه من افراد الشيء في مثل الحيوان المردد بين الشاة والكلب، وأن عنوان الشيء في مثله عنوان يشر الي ذات الشيء ولكن بعنوان المشتبه، فإن كل شئ عنوان مشير الي كل واحدة من الطبائع والذوات، وهذه الشبهة مع كونه حكمية شبهة راجعة الي حكم فرد من الشيء بذاته فيشمله عموم كل شئ.
وحيث ان هذا المورد من موارد المشتبه وإنما يشمله عموم الحكم لأنه فرد من افراد الشئ بلا شبهة، فإن بضم عدم الفصل بين هذا المشتبه وسائر المشتبهات التي عرض عليها الشك بعد ان كانت معلومة الحكم، يثبت طهارة كل مشتبه بالشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية، وعليه فإن هذه الاخبار بعمومها تتكفل طهارة كل شيء بعنوان الاولي وبما هو مشكوك الحكم.
وأورد عليه المحقق الاصفهاني قدس سره في نهاية الدراية بما حاصله:
ان مثل كل شيء طاهر في الاخبار الواردة في المقام وأن تتكفل حكم المشتبه بالشبهة اللازمة له، الإ ان اثبات الحكم في سائر المشتبهات بالشبهة الحكمية أو الشبهة الموضوعية بعدم الفصل غير سديد.
وذلك:
لأن التمسك بعدم الفصل فرع لكون الموضوع في المقام المشتبه، فيتعدى من حكم بعض مصاديقه الى بعضها الآخر.
ولكن المفروض: ان شمول كل شيء لمثل ماء الكبريت الملازم للشبهة في حكمه الواقعي، انما هو بعنوان الحكاية عن ذاته، لوضوح ارادة نفس الاعيان الخارجية من شيء، ومن المعلوم عدم ملازمة تمام الذوات للشبهة ـ خصوصا الشبهات الموضوعية التي علم حكمها الكلي ـ حتى يتعدى من الشبهة اللازم للشبهة الى غيره.
وعليه، فإن يعمم المغيى للحكم الواقعي والظاهري بدعوى عدم الفصل غير وجيه[1]
وهذا الاشكال قوي، ويسري الي شمول عنوان كل شيء لو قلنا بأن المراد من الموضوع فيه الشئ المشتبه للشبهات الحكمية والموضوعية، ولعل الوجه فيما مر من صاحب القوانين من الاشكال في شمول الرواية للشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية و الاستصحاب معاً ذلك، وأنه لا يتم ارادة العناوين الثلاثة من لفظ شيء.
ولكن الحق شمول عنوان الشيء للشبهات حكمية او موضوعية لأنه لا تقيد في الاخبار المذكورة بخصوص الشبهات الموضوعية او الشبهات الحكمية في عنوان الشيئ، بل ان المراد هو الشئ بعنوان المشتبه سواء علم حكمها الكلي كالشبهات الموضوعية، وكان الاستثناء لأجل الشك في الموضوع او لم يعلم كالماء الكبريت او الحيوان المردد بين الكلب والشاة، فإن الموضوع فيها الشيء في ظرف عدم العلم بحكمه الواقعي وعنوانه الاولي الذي هو الموضوع للحكم الظاهري والشك وعدم العلم انما يشمل كلا الشبهتين كما مر في كلام الشيخ قدس سره.
ومنها:
ان موضوع الحكم الواقعي ذات الطبيعة او الفعل المتعلق بها فهو مرسل، وموضوع الحكم الظاهري مقيد بالشك.
والجمع بينهما في انشاء واحد جمع بين المتناقضين، لاستحالة لحاظ الشئ مقيداً وغير مقيد.
وبيانه: ان الجمع بينهما في انشاء واحد انما يتم لو قلنا بأن الاطلاق هو الجمع بين القيود، لأن يكون معني الرواية حينئذ، ان كل شئ بما هو طاهر وبما هو مشكوك طاهر ايضاً وإن تعدد المحمول انما هو باعتبار تعدد الموضوع المستفاد من الاطلاق بهذا المعني.
وأما لو التزمنا بأن الاطلاق هو رفض القيود ـ كما هو الحق ـ وأنه لا يتقيد الموضوع بحال من حالاته، كان مفاد الرواية خصوص الحكم الواقعي.
وذلك: لأن مدلولها حينئذ طهارة ذات الشئ في تمام حالاته، ومن جملتها حالة كونه مشكوك الحكم، وهذا هو اطلاق الحكم الواقعي المتحقق حال الشك، وحيث ان الحكم الظاهري مترتب علي الموضوع الذي يشك في حكمه الواقعي، اي المشكوك من حيث حكمه واقعاً، لا علي ذات الموضوع وإن كانت مشكوكة، لا يمكن استفادة الحكم الظاهري من الاطلاق، لوضوح التنافي بين اعتبار الماهية اللابشرط القسمي واعتبارها بشرط شئ. ولأجل تقابلهما يمتنع لحاظهما في انشاء واحد.
ولا جامع بين التعينين، كما لا يعقل الاهمال من الحكيم الملتفت في مقام التشريع.
هذا مضافاً:
الي ان اطلاق (الشئ) علي طبيعة واحدة حقيقة بمجرد عروض الحالات المختلفة المتبادلة عليه، كي يكون بلحاظ كل منها شيئاً، ممنوع عرفاً، والا لزم: ان يكون الشئ الواحد اشياءً متعددة.
فالماء، والماء المشكوك حكمه ليسا امرين مختلفين، فطروء الشك لا يوجب تعدداً في حقيقة الشئ عرفاً، ولا اختلافاً في الموضوع حتي يحكم علي كل بما يناسبه.
مثلاً: يطلق علي زيد انه شئٌ باعتبار ذاته، وليس باعتبار كون ابن عمرو، وأخا بكر، وعمّ خالد اشياء اخري. وانما يتجه الاطلاق الاحوالي بالنسبة الي الحالات الطارئة عليه كالعلم والجهل والفسق والعدالة ونحوهما.
وعليه فمنع اصل هذا الاطلاق الاحوالي ليس ببعيد.
[1]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 5، ص 95.