بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه سی و یکم
ومنها:
ما افاده المحقق النائيني ايضاً.
وهو انه لا يمكن ارادة الحكم الواقعي والظاهري معاً مع قطع النظر عن الغاية وهي قوله (ع): حتي تعلم انه قذر، لأنه ان كان المراد هو الحكم الواقعي يكون العلم المأخوذ في الغاية طريقياً.
وذلك: لأنه لو كان المراد من الأخبار الحكم بالطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الاولية بأن يكون العلم المأخوذ غاية طريقية محضاً، والغاية في الحقيقة هو عروض النجاسة، فيكون المراد ان كل شيء بعنوانه الأولي طاهر حتي تعرضه النجاسة.
وأخذ العلم غاية لكونه طريقاً الي الواقع ليس بعزيز، كما في قوله تعالي: وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر[1].
فإن المراد منه بيان الحكم الواقعي وجواز الأكل والشرب الي طلوع الفجر، وذكر التبين بناءً علي كونه بمعني الانكشاف انما هو لمجرد الطريقية، وإن امكن حمل التبين علي معني آخر مذكور في محله.
وعليه فإن الحكم الواقعي لا يرفع بالعلم، ولا فرق فيه بين العالم والجاهل كما عليه اهل الحق خلافاً لأهل التصويب، ولا يرتفع الحكم الواقعي في غير موارد النسخ الا بتبدل موضوعه بان يلاقي الجسم الطاهر نجساً، او يرتد مسلم نعوذ بالله، او يصير ماء العنب خمراً مثلاً.
وإن كان المراد هو الحكم الظاهري، يكون العلم المأخوذ في الغاية قيداً للموضوع وغاية له، لأن موضوع الحكم الظاهري هو الشك وغايته العلم، اذ الشك يرتفع بالعلم، فيكون العلم ملحوظاً بنحو الاستقلال والموضوعية، ولا يمكن الطريقية والموضوعية في العلم، لأن معني الموضوعية ارتفاع الحكم بالعلم، ومعني الطريقية عدم ارتفاعه به، فيكون الجمع بينهما كالجمع بين المتناقضين.
هذا وقد اورد عليه السيد الخوئي قدس سره بعد ما مر من تقريبه منه:
«وهذا الاشكال مندفع بما ذكرنا في تقريب هذا الوجه من أن العلم ليس غاية للحكم الواقعي ولا للحكم الظاهري ، بل غاية للحكم بالبقاء والاستمرار ، فيكون دالا على استصحاب الحكم السابق سواء كان واقعيا أو ظاهريا .
فبقوله ( ع ) : كل شئ نظيف ، تمت إفادة الحكم الواقعي والظاهري لشمول الشئ الشئ المعلوم والشئ المجهول على ما ذكرنا ، ويكون قوله ( ع ) : حتى تعلم ، إشارة إلى الحكم ببقاء الحكم الثابت سابقا واستمراره إلى زمان العلم بالنجاسة ، فيكون العلم موضوعيا وقيدا للاستصحاب ، لأنه بالعلم يرتفع الشك ، وبارتفاعه لم يبق موضوع للاستصحاب كما هو ظاهر»[2]
ويمكن النظر فيما افاده:
بأن قوله: ان العلم في قوله (ع) حتي تعلم ليس غاية للحكم الواقعي ولا للحكم الظاهري، بل غاية للحكم بالبقاء والاستمرار، يكون دالاً علي الاستصحاب... .
انما يرجع الي ان المغيي دال علي الاستمرار وأن الغاية حده بلا فرق بين ان يكون مدلول الغاية الحكم الواقعي او الظاهري وتمام الاشكال فيه من هذه الجهة، فإن المغيي انما يدل علي ثبوت الحكم علي الموضوع وهو الشئ، والاستمرار لازم لطبيعة الحكم لأنه ليس الجعل امراً دفعياً، وبما ان الغاية من توابع المغيي وحده وقيوده فلا يمكن فرض كونها حد لخصوص الاستمرار الذي هو لازم للحكم، بل حد اما لنفس الحكم، وقد مر انه لا يعقل كون العلم غاية له اذا كان المراد منه الحكم الواقعي في كلام الشيخ قدس سره، وإذا كان المراد منه الحكم الظاهري فيما ان الغاية يلزم رجوعه الي الموضوع فلا معني لكونها حداً للاستمرار، لأن الاستمرار يفرض في الحكم دون الموضوع.
ولا معني لكون الغاية حداً لاستمرار الحكم الظاهري، لأن العلم دخيل في الموضوع ومعه كيف يكون حداً للحكم المتأخر عنه.
بل انه يمكن فرض الاستمرار في الحكم الظاهري باستمرار الموضوع المركب من الشئ وعدم العلم، ومعه فإن حصول العلم بالقذارة يوجب انتفاء الموضوع بالمرة، فيدور امره من جهة العلم بين الوجود والعدم، ولا معني لفرض الاستمرار فيه مع قطع النظر عن الموضوع، فإن الموضوع للحكم الظاهري اما ان يتحقق وهو في فرض عدم العلم وإما ان لا يتحقق وهو في فرض حصول العلم.
وقد صرح بذلك السيد الخوئي قدس سره في بيان افاده بعد صفحات فقال:
«ان الحكم بالطهارة الظاهرية للشئ المشكوك فيه باق ببقاء موضوعه ، وهو الشك بلا احتياج إلى الاستصحاب ، فان المستفاد من الاخبار هو جعل الحكم المستمر - أي الطهارة الظاهرية للشئ المشكوك فيه ما دام مشكوكا فيه ، لا استمرار الحكم المجعول».[3]
[2] البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص72.