بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه سی و دوم
ومنها:
«ما افاده المحقق النائيني ايضاً.
وهو انه لا يمكن اجتماع الحكم الواقعي والظاهري في نفسه مع قطع النظر عن الغاية.
وذلك:
لأنه اذا استند الحكم الي العام الشامل للخصوصيات الصنفية والخصوصيات الفردية، فلا محالة يكون الحكم مستنداً الي الجامع بين الخصوصيات لا الي الافراد بخصوصياتها، فإنه اذا قيل: اكرم كل انسان، فهذا الحكم وإن كان شاملاً لجميع اصناف الانسان او افراده، الا انه مستند الي الجامع لا الي الخصوصيات الصنفية او الفردية. فإنه يقال: هذا يجب اكرامه لأنه انسان لا لأنه عربي او لأنه زيد مثلاً، فلا دخل للخصوصيات في الحكم.
فقوله (ع): كل شئ نظيف وإن كان شاملاً للشئ المشكوك، الا انه بعنوان انه شئ لا بعنوان انه مشكوك، اذ كونه مشكوكاً من الخصوصيات الصنفية، وقد ذكرنا عدم دخلها في الحكم المستند الي العام، فلا يكون هناك حكم ظاهري، لأن موضوعه الحكم بما هو مشكوك فيه فلا يكون في المقام الا الحكم الواقعي الوارد علي جميع الاشياء المعلومة او المشكوك فيها.
بل يمكن ان يقال:
ان الحكم المذكور في قوله (ع): كل شئ نظيف لا يكون للشيء المشكوك فيه اصلاً.
لأن قوله (ع) كل شئٌ قد خصص بمخصصات كثيرة دالة علي نجاسة بعض الأشياء كالكلب والكافر والبول وسائر النجاسات. والمائع المردد بين الماء و البول مثلاً لا يمكن التمسك لطهارته بعموم قوله (ع): كل شئ نظيف، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
فالشئ المشكوك فيه لا يكون دخلاً في عموم قوله (ع): كل شئ نظيف لا من حيث الحكم الظاهري، لأن الموضوع هو الشئ لا المشكوك فيه ولا من حيث الحكم الواقعي، لكونه مشكوكاً بالشبهة المصداقية.
وهذا الاشكال قوي جداً».
وقد افاد السيد الخوئي بعد نقله من الاستاذ المحقق:
«وهذا الاشكال تین جداً ولا دافع له، وظهر منه عدم صحة الاحتمال الرابع ـ وهو ان يكون المراد الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية، والطهارة الظاهرية للاشياء المشكوك فيها ـ، لعدم امكان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري علي ما تقدم»[1]
ومنها:
ما افاده المحقق الاصفهاني قدس سره في نهاية الدراية.
وحاصله: ان ما افاده صاحب الكفاية في الحاشية من دلالة الغاية على الاستصحاب بعد التزامه بدلالة المغيى على ثبوت الحكم للشيء واقعا وظاهرا.
مما لا يمكن المساعدة عليه.
وذلك : لمنع ارجاع الغاية الى الجامع بين الطهارتين، اي استمرار كل منهما.
لأن الاستصحاب ليس ابقاء لمطلق الطهارة الثابتة في المغيى بل هو ابقاء لخصوص الطهارة الواقعية عند الشك كي يتعبد ببقائها ظاهرا.
وذلك:
لأن في الطهارة الظاهرية يكفي نفس الشك فيها في الحكم بها ظاهرا، فكل مورد شك في طهارته فإنه موضوع للحكم بالطهارة ظاهرا من غير حاجة الى التعبد بابقائها بالدليل، وبلا اعتبار الحالة السابقة فيها وابقائها، وارجاع الغاية الى بعض افراد الجامع تفكيك في مفاد المغيي الدال على الطهارتين بلا موجب.[2]
والحاصل:
انه قد ظهر عدم تمامية ما حققه صاحب الكفاية في حاشيته علي الرسائل من ارادة الاستصحاب والقاعدتين في المشتبهتين الحكمية والموضوعية من هذه الاخبار.
كما انه قد مر عدم تمامية ما سلكه في الكفاية من دلالتها علي ثبوت الحكم في الاشياء واقعاً، واستمراره الي حصول العلم بالرافع لتدل علي اعتبار الاستصحاب.
وأن مدلول هذه الاخبار باصنافها بيان الحكم في الشيء المشتبه بمقتضي قوله (ع) حتي تعلم انه قذر او حرام في الغاية الظاهر في دوران ثبوت الطهارة او الحلية مدار العلم والجهل وهي غير متحققة الا في المشتبه دون الشئ بعنوان الواقعي.
وبالجملة:
ان الشيء في قوله (ع) كي شئٍ حلال او طاهر وإن كان ظاهراً في الشيء بعنوانه الأولي الا ان ضم الغاية بقوله (ع) حتي تعلم انه حرام او قذر التي هي من توابع الكلام ولا دلالة لها الا في تقييد الحكم الثابت في المغيي وتلونه بمدلولها من دون ان يكون لها دلالة مستقلة علي شئ، يوجب صرف هذه الظهور الي الشيء بعنوان المشتبه، لأن مدلوله بالنظر اليها ان كل شيء في ظرف عدم العلم بنجاسته طاهر، وفي ظرف عدم العلم بحرمته حلال، وهو حكم ظاهري لا نحتاج في ثبوته الي غير الشك في النجاسة او الحرمة ولا اثر للحالة السابقة من الطهارة او الحلية في التعبد به.
نعم ان هذا الحكم الظاهري يشمل موارد سبق الطهارة او سبق الحلية حسب ما مر من الشيخ الا ان مدار التعبد فيه الي نفس الشك وعدم العلم الذي هو الموضوع للحكم بالطهارة والحلية، دون لحاظ الحالة السابقة والحكم بهما والبناء عليهما بمقتضي الحلية السابقة او الطهارة السابقة فلا دلالة فيها علي اعتبار الاستصحاب بوجه كما هو مختار المشهور قدس الله اسرارهم بل مختار عمدة من تأخر من صاحب الكفاية قدس سره.
[1]. البهسودی، مصباح الاصول تقریر البحث السید الخوئی، ج3، ص 72 ـ 73.
[2]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 5، ص92.