بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه سی و سوم
و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضا الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته أمّا لو أن رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته إليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه و لا كان من أهل الايمان[1].
و غير ذلك من الروايات المختلفة المضامين الواحدة المرمى، فراجعها في مظانها[2].
هذا، و لكن المشهور على خلاف ذلك و قد ادعي أنّ نفي القبول مرجعه الى نفي الثواب لا عدم الاجزاء و عدم سقوط الأمر.و التحقيق ان يقال: إنّ قوله عزّ من قائل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[3]
يدل على ترتب الجزاء على فعل الخير وأنّه يرى اثره و لو كان ذلك الخير مثقال ذرة، و هي صريحة تقريبا في ترتب الجزاء على فعل الخير و لو صدر من فاسق مرتكب للمعاصي. إذ لو اريد الفرد العادل لم يكن وجه للتأكيد على الجزاء على الخير و لو كان الصادر مثقال ذرة.
و بعبارة أخرى: أنّها ظاهرة في ترتّب الجزاء على الخير و أنه لا يضيع فعل الخير عند اللّه و لو كان مثقال ذرة لا غير. و هذا المعنى يتصادم مع مفاد قوله تعالى: إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[4]
ظاهر في عدم القبول من غير المتقين كما لا يخفى.
و طريقة الجمع أن نقول: باب القبول مرتبة خاصة من مراتب العمل بأن يكون مورد الرضى النفسي و ليس هو مجرد إعطاء الثواب.و هذا في العرفيات كثير، فقد يترتب على العمل جزاؤه و لكنّه لا يرضى به و لا يقع موقع القبول من نفسه لعدم كماله، فالمستأجر قد يرى نفسه ملزما بدفع الأجر للاجير على خياطة ثوبه و لكن الخياطة لا تكون مورد رضاه لعدم كونها بنحو كامل من الهندسة الخياطية و الجمال و الدقّة. فالقبول مرتبة أعلى من مرتبة استحقاق الثواب.
فلدينا للعمل مراتب ثلاث:
مرتبة موافقة الأمر به و مرتبة ترتب الثواب عليه و مرتبة القبول. و بذلك يظهر أنه لا تصادم بين الآيتين.
و إذا ثبت بذلك أن القبول عبارة عن معنى واقعي و إن لم ندرك حد تلك المرتبة بل يكفي معرفة وجودها بنحو الإجمال، فكل ما ورد من التعبير بالقبول يحمل عليه.
و عليه، فما ورد من عدم قبول العمل من المخالف يراد به ذلك و لا يراد به بطلان عمله كما ادعي و لا نفي الثواب عليه كما عليه المشهور.
و أما ما ورد من أنه كأن لم يكن أو أنّه كالرماد في مهبّ الريح، فلا يدل على بطلان العمل، بل على خلافه، إذ يدل على وجود الثواب و الجزاء لكنه في معرض العاصفة القوية التي لا تبقيه و تجعل وجوده كعدمه و ذلك لا ينافي حصول الكسر و الانكسار فيخفف عنهم العذاب و لكن لا تصل النوبة الى تحصيل الثواب، فلا يكون عملهم مؤثرا في ذلك.
و هذا هو المراد ممّا جاء في بعض النصوص من أنّه لم ينفعهم عملهم شيئا يعنى فيما ينتظرونه في المثوبة لا في تخفيف العقوبة.
و لو أراد من ذلك بطلان العمل لكان اللازم أن يعبر بأن عملهم باطل لا أنه كالعدم الظاهر في التنزيل لا في كونه عدما حقيقة.
و بالجملة:
فالالتزام بترتب الأثر على عمل المخالف الخيري و لو بمقدار تخفيف العذاب عنهم بالكسر و الانكسار لا ينافيه نص و لا دليل و يكون ذلك موافقا لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.
و إذا لم يثبت بطلان العمل بالدليل الخاص، فمقتضى القاعدة صحته و تحقق الاجزاء، بل حصول الأثر بمقتضى الآية الكريمة. فتدبر»[5]
[1] وهذا ما رواه الكليني قدس سره عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن ابي جعفر.
والرواية صحيحة بالطريق المذكور. (الوسائل، الباب 29 من ابواب مقدمات العبادات الحدیث2).
[2] . راجع الباب 29 من ابواب مقدمة العبادات.
[3] .سورة الزلزال، الاية، 7 و 8.
[4] .سورة المائدة، الاية: 27.
[5] .المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج1، ص:181- 184