بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه چهل و چهارم
وهي جهة تكوينية واقعية، لا جعلية.
ومنه يتضح الحال علي الوجهين الآخرين في حقيقة الحكم التكليفي، فإن المراد بالشرط ـ كما اشرنا اليه ـ هو ما يمتنع وجود التكليف بدونه بحيث يلزم من عدمه العدم.
وهذه الجهة تتحقق في الشرط بملاحظة كونه دخيلاً في الاحتياج الي الفعل وكونه ذا مصلحة، اذ يمتنع حينئذ تحقق التكليف من المولي الحكيم بدونه، ويلزم من عدمه عدم التكليف، وإلا كان منافياً للحكمة.
اذن فانتزاع الشرطية منوط بأمر واقعي ولا ربط لكيفية الجعل به اصلاً.
بل كيفية الجعل من المولي الحكيم تابعة للشرطية الواقعية.
والذي يتحصل:
ان شرطية التكليف الصادر من الحكيم ـ بناءً علي تبعية الاحكام للمصالح والاغراض العقلائية، كما هو الحق الذي لا يقبل الإنكار، وإلا لما كان وجه للتقييد بشئ دون آخر ـ منتزعة عن خصوصية واقعية كما ذهب اليه صاحب الكفاية. لا عن مقام الجعل والتشريع.
وليس في كلامه خلط بين مقام المصلحة ومقام التشريع، بل نظره الي الشرطية في مقام التشريع والحكم.
كما ظهر مما ذكرنا:
ان ما اورده المحقق النائيني قدس سره علي صاحب الكفاية من انه خلط بين مقام الجعل والمجعول، فإن شرائط الجعل تكوينية لا تناط بالجعل، وأما شرائط المجعول فشرطيتها منتزعة عن كيفية الجعل، ولو لا جعل المولي التكليف مقيداً بالشرط لم يعنون بعنوان الشرطية.
وقد تبعه عليه غيره[1].
غير تام، لما عرفت:
من كون نظر صاحب الكفاية الي نفس المجعول وشرائطه، وأن شرطية شرط المجعول غير مجعولة، بل هي تابعة لخصوصية واقعية ان كانت موجودة كان الشيء شرطاً، وإن لم يتقيد به المجعول في مقام الجعل.
وإن لم تكن موجودة لم يكن شرطاً، وإن تقيّد به في مقام الجعل لعدم امتناع تحقق التكليف الفعلي بأي معني من معانيه بدونه حينئذٍ.
ويزيدك وضوحاً ملاحظة شرطية القدرة للتكليف، فإنها شرط عقلي يمتنع التكليف بدونه للغويته.
ولم يخطر في ذهن احد ان شرطية القدرة تابعة للجعل وكيفيته، اذ هي شرط مع كون الجعل مطلقا من ناحيتها.
فكما تكون شرطية القدرة منتزعة عن جهة واقعية، فكذلك نقول في سائر الشرائط المذكورة في لسان الشارع، فإنها شرط واقعي للتكليف بملاحظة تقيد الشارع بمقتضي الحكمة والمصلحة وعدم خروجه عنها فتدبر جيداً.»
ويمكن ان يقال:
انه لا شبهة في تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمرية اي الواقعية، وقد مر التزام صاحب الكفاية قدس سره بأن للحكم مراتب اربعة الملاك والمراد منه المصالح والمفاسد، والجعل والانشاء، والفعلية، والتنجز، وأفاد بأن لكل مرتبة شأن العلية بالنسبة الي المرتبة المتأخرة، فإن الجعل والانشاء عنده معلول للمصالح والمفاسد، وهذه المناطات علة له.
ولكنه لا شبهة في توسط ارادة المولي بين المناط والجعل، وإن كانت ارادته لا تتخلف عن المناط، لأن المصلحة هي الموجب للشوق المنتهي الي ارادة الفعل من الغير بالجعل والانشاء، فإن الجعل ناشء عن الارادة الناشئة من المناط. الا انه ربما تمت المصلحة الموجبة لارادة الفعل، الا ان المولي لا يريدها بوجود المانع او فقد الشرط، وإن كان كل ما انشأه وجعله نشأ عن المصلحة لفرض الحكمة في افعال المولي الحكيم.
وعليه فإن شأن الملاك شأن المقتضي دون العلة التامة من قبيل الاسباب التوليدية التي لا توسط للارادة فيها بين السبب والمسبب بل الجعل معلول للارادة، والارادة هي العلة التامة له، وإن كان المقتضي للارادة المناط والمصالح والمفاسد الواقعية.
ومن طرف آخر ان الحكم حقيقته الاعتبار الناشيء عن الارادة التشريعية.
وأما الاعتبار العقلائي انما يتحقق اذا كان الاعتبار الناشيء عن الارادة المذكورة التي صدر عمن له الاهلية للحكم، وفي فرض تحقق الموضوع.
فإذا لم يصدر الاعتبار المذكور عمن له الاهلية، او لم يتحقق الموضوع فإنه لا يصير الاعتبار المذكور موضوعاً للاعتبار العقلائي، والموضوعية للاعتبار العقلائي انما هي في مرتبة فعلية الحكم، ولا دخل له بمقام الانشاء والجعل.
فالانشاء والجعل وهو الحكم في مرتبة الانشاء هو ايجاد الاعتبار الناشيء عن الارادة التشريعية.
ثم ان كون شئ سبباً للتكليف او شرطاً له او مانعاً او رافعاً انما ينشأ عن كونه سبباً لاتصاف الفعل المتعلق لاعتبار المولي بالمصلحة او كونه شرطاً له، او كونه مانعاً او رافعاً للاتصاف المذكور.
وأنه لولاه لما اتصف الفعل بالمصلحة، وعليه فإن دخله في الحكم اي الانشاء والجعل مما لا سبيل لانكاره، الا ان تمام الكلام في كيفية هذا الدخل.
فبالنظر الي اتصاف الفعل المتعلق للاعتبار بالمصلحة مسبباً عن السبب المذكور او مشروطاً بالشرط المذكور، كان الدخل تكوينياً واقعياً لا سبيل للجعل فيه.
وبالنظر الي ان ارادة المولي باعتبار الفعل علي ذمة الملكف مسببة عن السبب المذكور، وأنه لولاه لما تعلقت ارادة المولي بايجاد اعتباره كان الدخل جعلياً اعتبارياً.
وحيث ان تمام البحث في المقام انما هو في الارادة الموجبة للانشاء لا في المصالح الموجبة للإرادة، فلا محالة يكون اعتبار السبب اي كون الشئ سبباً للتكليف جعلياً اعتبارياً كنفس المسبب اي الحكم التكليفي المسبب عن السبب المذكور.
[1] وهو السيد الخوئي قدس سره في مصباح الأصول ج3 ص81.