بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی
واما بناءً علي الثاني.
فان البحث يرجع الي ان الامر بالشئ يقتضي النهي عن الفعل الذي يلزم من الاتيان به ترك متعلق الامر المذكور.
وفي هذه الصورة تارة ان الفعل الذي يلزم الاتيان به ترك متعلق الامر المعبر عنه بالضد الخاص عبادة او غير عبادة.
لا كلام فيما كان الضد الخاص غير عبادة، غير انه بناء على الاقتضاء يتصف الضد الخاص بالحرمة ولا بحث فيه من جهة البطلان.
واما اذا كان عبادة فتارة يكون الضد نفس العبادة وتارة يكون العنوان الملازم له او المطابق عليه.
فان كان الضدُ العنوانَ الملازم او المطابق كالسفر في المقام حيث ان السفر الى الحج وصرف المجال فيه يمنع عن الإتيان بالواجب.
ففي هذه الصورة ان النهي لا يتعلق بنفس العبادة، بل بعنوان خارج ملازم له او مقارن له و مثل السيد الفيروز آبادي له بالنظر الى الاجنبية في الصلاة.
واذا كان النهي تعلق بنفس العبادة فبناء على الاقتضاء يصير نفس العبادة منهية غير قابلة للتقرب اللازم فيها.
وفي هذه الصورة اي تعلق النهي بنفس العبادة، فان المبنى المختار في باب الاقتضاء ولعله العمدة في باب الاقتضاء عند الاعاظم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده من باب المقدمة، اي مقدمية ترك الضد للاتيان بمتعلق الامر. فيكون ترك الضد مقدمة للاتيان به فيجب ومعنى وجوبها حرمة اتيانه.
فيقع الكلام هنا في وجوب المقدمة، وبعد ذلك في الملازمة بين الامر بالشيء والنهي عن تركه، وكلا الجهتين مورد للمناقشة جداً لما مرّ من ان المقدمة وهي ما لا يتم الواجب الا به انما يلزم الاتيان به عقلاً تحفظاً على تحقق وجود ذي المقدمة، وليس فيها وجوب شرعي.
ومع التسلم انه وجوب غيري ترشحي والحرمة المتعلقة بترك هذه المقدمة ايضاً كذلك على فرض ثبوتها لا يزيد عن ملازمه.
وعليه فان ما افاده صاحب العروة (قدس سره) من عدم تمامية الاقتضاء في غاية المتانة.
الا ان ما افاده (قدس سره) من تعلق النهي في المقام بامر خارج يبتني على تعلق النهي بعنوان السفر الملازم للحج دون نفس العبادة واما لو فرض ان الضد في المقام هو نفس العبادة فليس تعلق النهي بامر خارج. ولعله اراد كون متعلق النهي عنوان السفر كما هو الغالب دون نفس الواجب اي اجزاء العبادة.
فما افاده السيد الخوئي (قدس سره) من عدم تعلق النهي على فرض الاقتضاء بامر خارج عن العبادة تام كما مر تقريبه.
الا انه (قدس سره) قرب تمامية رجوعه الى امر خارج اذا اريد بالضد الضد العام.
وقد مرّ انه يمكن تصوير كون المراد الضد الخاص الا انه هو العنوان الملازم او المقارن او المنطبق بالنسبة الى العبادة، ولعله هو مراد السيد صاحب العروة (قدس سره).
ثم ان صاحب العروة (قدس سره) افاد بان وجه اختياره عدم اجزاء الحج في المقام عن حجة الاسلام: ان الامر بالحج مشروط بعدم المانع ووجوب الواجب الذي استلزم الاتيان بالحج تركه مانع.
قال (قدس سره):
«... بل لان الامر المشروط بعدم المانع، ووجوب ذلك الواجب مانع، وكذالك النهي المتعلق بذلك المحرم مانع، ومعه لا امر بالحج.»[1]
واساس نظره (قدس سره):
ان الاستطاعة مشروطة بعدم المانع شرعاً كاشتراطه بعدم المانع عقلاً، وقيام واجب آخر استلزم الاتيان بالحج تركه مانع شرعي بمعنى انه مانع شرعاً عن صرف القدرة في الحج، و كذا استلزام الاتيان بالحج ارتكاب محرم فانه مانع شرعاً صارف لقدرة المكلف والمانع الشرعي كالمانع العقلي.
واورد عليه السيد الحكيم في المستمسك:
« قد عرفت الاشكال فيما ذكره ، وأن ما كانت مانعيته مستفادة من دليل مانعية العذر تختص مانعيته بحال الترك ولا تعم حال الفعل. وإلا كان اللازم البناء على عدم الاجزاء في موارد الحرج ، لأنه أيضا عذر مانع. ودعوى: أن أدلة نفي الحرج لا ترفع إلا اللزوم - كما تقدمت من المصنف - مسلمة. لكنها لا تجدي في البناء على الاجزاء إذا كان مقتضى الدليل عدم الاجزاء ، إذ لا منافاة بين كون نفي الحرج لا يقتضي نفي الاجزاء وكون مانعية العذر تقتضي نفي الاجزاء. إذ لا منافاة بين المقتضي واللا مقتضي ، كما هو ظاهر. وبالجملة: إن كان لدينا دليل يدل على مانعية العذر مطلقا عن الاستطاعة كان اللازم البناء على مانعية الحرج عنها ، وإن لم يكن دليل على ذلك كان اللازم البناء على عدم مانعية ترك الواجب أو الوقوع في الحرام عنها ، فالتفكيك بين الحرج وغيره من الأعذار في المانعية عن الاستطاعة وعدمها غير ظاهر.»[2]
وحاصل ما افاده (قدس سره):
ان التفكيك بين الحرج وغيره من الأعذار في المانعية عن الاستطاعة غير تام.
وقد مرّ ان استلزام الحج لترك واجب او ارتكاب حرام مانع ولكن مانعيته مستفادة من دليل مانعية العذر.
ولو التزمنا بعدم الاجزاء في المقام للزم الالتزام به في موارد الحرج لان الحرج ايضاً عذر مانع كاستلزام الحج ترك الواجب او ارتكاب الحرام في المقام.
ولو قلنا بعدم الاجزاء في المقام للزم الالتزام بعدم الاجزاء في مثل موارد الحرج والضرر، ولا ينفع هنا عدم اقتضاء دليلهما الا رفع الالزام دون الملاك، لانه اذا لم يكن دليل المانعية اي دليل مانعية العذر مختصاً بحال الترك، للزم شموله بالنسبة الى المقام. ويكون عدم الاجزاء بمقتضي الدليل. فلا ينفع القول بعدم اقتضاء دليلي الحرج او الضرر الا الالزام. هذا ما افاده (قدس سره).
[1]. العروة الوثقى، ج4، ص427، 429.
[2]. مستمسك العروة الوثقى، ج10 ، ص186ـ 187.