بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه شصت و هشتم
وفرع الشيخ ( ره ) على اعتبار اليقين والشك الفعلي في جريان الاستصحاب فرعين ، وتبعه صاحب الكفاية ( ره ) .
الفرع الأول - أنه لو كان أحد محدثا فغفل وصلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة أم لا ، فيجري استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأعمال الآتية .
وأما بالنسبة إلى الصلاة التي أتى بها فلا يجري استصحاب الحدث ، لأنه كان غافلا قبل الصلاة ولم يكن له الشك الفعلي حتى تكون صلاته واقعة مع الحدث الاستصحابي ، وبعد الصلاة وإن كان الشك موجودا ، إلا أن قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب أو مخصصة له ، على ما يأتي في أواخر التنبيهات انشاء الله تعالى ، فيحكم بعدم وجوب الإعادة عليه .
الفرع الثاني :
أنه لو التفت قبل الصلاة ثم غفل وصلى فتكون صلاته باطلة ، لتحقق الشك الفعلي قبل الصلاة ، فقد وقعت مع الحدث الاستصحابي .
وفي كلا الفرعين نظر :
أما الفرع الأول :
فلأن قاعدة الفراغ لا تخلو من أمرين :
فاما أن تكون من الأصول التعبدية الشرعية .
وإما أن تكون من الامارات العقلائية كما هو الظاهر ، لان ترك الجزء أو الشرط عمدا لا يتصور بالنسبة إلى من هو في مقام الامتثال ، فان تركا لا يستند تركهما إلى إلى الغفلة والنسيان . وهو خلاف الأصل .
فإن مقتضى طبيعة الانسان هو الذكر في حال العمل ، لا السهو والنسيان كما في الأمور العادية ، فالفراغ عن العمل امارة كاشفة نوعا عن عدم وقوع الغفلة والسهو .
ويؤيد هذا المعنى :
قوله ( ع ) : " هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " .
وكذا قوله ( ع ) : في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الشك في عدد ركعات الصلاة بعد الفراغ : " وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك " .
فعلى القول بكون قاعدة الفراغ امارة نوعية على عدم وقوع الغفلة والسهو ، لا مجال للاخذ بها مع العلم بالغفلة كما هو المفروض في المقام .
فعدم جريان الاستصحاب في حال الغفلة مسلم ، لعدم الشك الفعلي ، إلا أنه لا مانع من جريانه بعد الصلاة حتى بالنسبة إلى الصلاة التي اتى بها ، لاختصاص قاعدة الفراغ بصورة عدم العلم بالغفلة ، فلا تجري في المقام حتى تكون حاكمة على الاستصحاب أو مخصصة له .
ولما ذكرنا من اختصاص قاعدة الفراغ بموارد عدم العلم بالغفلة ، لا تجري فيما لو شك في صحة العمل بعد الفراغ عنه ، مع العلم بكيفية وقوع العمل والشك في انطباقه على الواقع .
كما إذا شك بعد الوضوء في أنه توضأ بالماء أو بمائع آخر مع علمه بأنه توضأ بهذا المائع الموجود ، لكنه لا يدري أنه ماء أو مائع آخر ، فلا مجال للحكم بصحة الوضوء ، لقاعدة الفراغ ، لعدم كون احتمال البطلان مستندا إلى الغفلة بل إلى عدم المصادفة الاتفاقية للماء .
وأما على القول بكون قاعدة الفراغ من الأصول التعبدية الشرعية وعدم اختصاصها بموارد احتمال الغفلة لاطلاق بعض النصوص الدالة على أن ما مضى فأمضه كما هو ، فتكون قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب ، ولو قلنا بعدم اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب ، إذ لا اختصاص لحكومة القاعدة على الاستصحاب الجاري بعد الصلاة ، بل تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري قبلها أيضا .
وأما الفرع الثاني :
ففيه أن بطلان الصلاة في الفرض مسلم ، إلا أنه ليس مستندا إلى جريان الاستصحاب قبل الصلاة ، بل إلى عدم جريان قاعدة الفراغ في نفسها لاختصاصها بما إذا حدث الشك بعد الفراغ .
وهذا الشك الموجود بعد الفراغ كان قبل الصلاة ، فان هذا الشك متحد عرفا مع الشك الذي كان قبل الصلاة ، وان كان غيره بالدقة العقلية ، ومع قطع النظر عما ذكرناه :
فالاستصحاب الجاري قبل الصلاة لا يقتضي البطلان ، لأنه بعد الالتفات وتحقق الالتفات وتحقق الشك عرضت له الغفلة ثانيا على الفرض ، وبمجرد عروض الغفلة لا يجري الاستصحاب .
لأنه كما يعتبر في الاستصحاب اليقين والشك حدوثا ، كذا يعتبران بقاء ، فما دام شاكا يكون محدثا بالحدث الاستصحابي ، وبمجرد طرو الغفلة يسقط الاستصحاب ، فلا يكون محدثا بالحدث الاستصحابي ، والمفروض أنه بعد الشك غفل ودخل في الصلاة .