بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هشتاد و ششم
ويمكن أنْ يقال:
أنَّه قد مرَّ ان استقرار الحج على ذمة المكلف يتوقف على وجوب الحج عليه فعلياً من جميع الجهات، وبما أنَّ وجوب الحج يتوقف على تحقق الإستطاعة والتزمنا بأنَّ المراد من الاستطاعة هو الاستطاعة العرفية، فاذا لم تتحقق الاستطاعة المذكورة بجميع شرائطها الدخلية في تحققها، لا يصير وجوب الحج فعلياً بالنسبة اليه.
كما انه قد مرَّ ايضاً:
ان الفعلية أمر نسبي في الواجبات بمعنى أنَّ في الواجبات المشروطة انما يصير الواجب فعلياً عند تحقق كل شرط بالنسبة اليه، وحصول هذه الفعلية النسبية انما يوجب لزوم الاقدام من ناحية المكلف بالنسبة اليه كما ان حصول الاستطاعة المالية انما تقتضي وجوب الاقدام بالنظر اليها من تهيئة مقدمات السفر لئلا يفوت الحج عنه في وقته. ولو كان ذلك قبل أشهر الحج.
وعليه فاذا فرض إنتفاء شرط من شرائط الاستطاعة، فانه لا يصير واجب الحج فعلياً بالنسبة اليه، واستقرار الحج على ذمة المكلف يتوقف على فعلية وجوبه من جميع الجهات اي بتحقق جميع ما له الدخل في الاستطاعة العرفية.
والمراد من الاستطاعة العرفية على ما مرَّ تمكن المكلف من الذهاب الى الحج والاتيان باعماله والرجوع الى بلده من حيث التمكن من الزاد و الراحلة وصحة البدن وأمن الطريق والرجوع الى كفاية.
ومع حصول التمكن المالي مع صحة البدن وأمن الطريق وغيرها فانما يصير الوجوب فعلياً بالنسبة الى الذهاب الى الحج في ظرف البناء على بقاء الشرائط الى النهاية ظاهراً.
والمراد من الوجوب الظاهري لزوم الاقدام للسفر والذهاب مع البناء على بقاء الشرائط.
ففي ظرفه يصير الذهاب وجميع مقدماته واجباً فعلياً بحسبه، وبعد ذلك اذا وصل الميقات حائزاً للشرائط صار وجوب الإحرام ودخول الحرم فعلياً، وهكذا الى آخر الأعمال. فالفعلية انما تتحقق عند مجيئ ظرف كل فعل من أفعال الحج للوجوب كتحققها بالنسبة الى مقدماته.
فإذا فرغ من أفعال الحج وتمكن من الأياب صار وجوب الحج فعلياً بالنسبة اليه، ولا يكفي صرف التمكن من الأياب، بل يلزم فعلية العود، وكذا الرجوع الى الكفاية، فان تحقق كل واحد من هؤلاء لقد صار وجوب الحج فعلياً من جميع الجهات.
واما لو فقد بعض هذه الشرائط في كل مرحلة من الذهاب والاتيان بأفعال الحج والأياب والرجوع الى الكفاية فقد انتفت الفعلية لوجوب الحج بالنسبة اليه، ومعه لا تتحقق الفعلية لوجوبه بجميع الجهات.
وانما يعلم بانتفائه أي بعض هذه الشرائط انتفاء هذه الفعلية أي بجميع جهاته، ففي أي مرحلة انتفت إحدى هذه الشرائط سقط الوجوب عن الفعلية من جميع الجهات من حينه.
ولا ينافي سقوط هذه الفعلية من حين انتفائها فعلية الوجوب بالنسبة الى ما قبل هذه المرحلة. فانه كان الواجب عليه الذهاب بتهيئة مقدماته وكان وجوبه فعلياً عليه ظاهراً. وبعد انتفاء بعض الشرائط قبل الشروع في أفعال الحج أو حينها أو بعدها قبل الأياب أو حين الأياب لقد انتفت الفعلية للوجوب من حينه فلا تتحقق الفعلية من جميع الجهات لوجوب الحج بانتفائها.
وهذا هو أساس ما عبر عنه السيد الخوئي (قدس سره) بانه يكشف عدم وجوب الحج من الأول، فانه ليس معناه عدم وجوب الإقدام قبل انتفاء الشرط ظاهراً، بل يلزم ان يكون المراد انه ينكشف عدم وجوب الحج على نحو مطلق أي فعلية وجوبه من جميع الجهات.
وكذا إن وجوب الاتيان بالحج في كل مرحلة ظاهراً انما يصير واقعياً ببقاء شرائط الاستطاعة بأجمعها الى النهاية وإنَّ انتفاء أي شرط في أي مرحلة يكشف عن عدم فعلية الوجوب عليه في الواقع ونفس الامر.
فالمعيار في فعلية وجوبه واقعاً بقاء الشرائط الى نهاية أفعاله وهذه النهاء هي فعلية الرجوع وتحققه كفاية.
ولا عبره باتمام أركان الحج، بل أفعاله وواجباته ولو أُعتبرت مستقلة كالوقوف في منى والاتيان بطواف النساء، بل العبرة بتحقق عوده الى وطنه رجوعاً الى كفاية.
اذا عرفت هذا:
فان مع فرض تحقق جميع هذه الشرائط، وفعلية الحج من جميع الجهات لو أهمل المكلف في إتيانه وتركه في أي مرحلة فانما يستقر الحج على ذمته.
كما أنه يلزم الدقة في كيفية دخل الشرط في فعلية الوجوب، فان شرط العقل أو الإسلام إنما هو دخيل في فعلية الاتيان بأفعال الحج، ولكنه غير دخيل في فعلية الوجوب من حيث الأياب أو الرجوع الى كفاية.
وإنَّ من ترك الحج وأهمله لو ثبت تمكنه من الذهاب الى الحج وأيابه واجداً لجميع الشرائط، فانما تثبت فعلية وجوب الحج بالنسبة اليه من جميع الجهات، فيستقر عليه الحج ويلزمه الإتيان به مادام حياً والقضاء عنه اذا تمكنت ورثته عن ذلك.