بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هشتاد و هشتم
وقد رده المحقق العراقي :
بأن اليقين بارتفاع الفرد القصير انما يقتضي اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في ضمنه لا الطبيعي المحفوظ في الفردين وهو الجهة المشتركة بينهما ، الذي كان متعلقا لليقين ، فلا يحتمل انتقاض اليقين المتعلق بالجهة المشتركة باليقين بانعدام أحد الفردين .
وهذا الرد لا مجال له بعد أن عرفت تقريب الاشكال :
وإن مبناه على تعلق اليقين بوجود الطبيعي المردد بين الوجودين وقد علم انتقاض أحدهما ، فهو لا يعلم ان رفع اليد عن اليقين السابق المتعلق بأحد الوجودين واحدى الحصتين نقض له بالشك ، لاحتماله كونه الحصة هي الموجودة في ضمن الفرد القصير المتيقن ارتفاعه . وليس المستصحب مفهوم الكلي وعنوانه الجامع كي يقال إنه لا يختل بزوال أحد فرديه ، فتدبر .
والذي يتحصل :
انه لا مجال للالتزام باستصحاب الكلي في هذا القسم ، ولو التزمنا بجريانه لكان اللازم القول بجريان استصحاب الفرد المردد ، فان الاشكال فيهما واحد فلا حظ»[1]
ويمكن ان يقال:
انه كان في بيان سيدنا الاستاذ التعرض لما افاده المحقق العراقي قدس سره في جريان الاستصحاب في الفرد المردد.
قال المحقق العراقي قدس سره ـ في التنبيه الثالث ـ
«التنبيه الثالث المستصحب اما ان يكون كليا أو شخصيا.
وعلى الثاني:
اما ان يكون فردا معينا قد شك في بقائه، أو يكون فردا مرددا من طبيعة واحدة أو طبيعتين أو طبايع.
كما أنه على الأول، تارة:
يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد الذي كان الكلي متحققا في ضمنه.
وأخرى:
من جهة تردد الخاص الذي كان الكلي في ضمنه بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر مع فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر، والحيوان المردد بين كونه قصير العمر أو طويله مع مضى زمان يقطع عادة بعدم بقاء القصير في طول هذا الزمان.
وثالثة:
من جهة احتمال وجود فرد آخر للكلي غير الفرد الذي علم بحدوثه وارتفاعه....»[2]
ثم افاد قدس سره:
« ولنقدم الكلام في الاستصحاب الشخصي فنقول:
أما إذا كان المستصحب شخصا معينا فلا اشكال في صحة استصحابه لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق والشك اللاحق.
واما إذا كان شخصا مرددا بين الشخصين كأحد الفردين أو الانائين في مثال العلم الاجمالي بوجوب أحدهما أو نجاسته.
فتارة: يكون الشك في بقاء المعلوم بالاجمال من جهة ارتفاع أحد الفردين أو خروجه عن الابتلاء.
وأخرى: من غير تلك الجهة.
فان كان الشك في البقاء من جهة ارتفاع أحد فردي الترديد، فلا يجري فيه الاستصحاب.
لا لتوهم عدم اجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء.
بل لعدم تعلق اليقين والشك بموضوع ذي اثر شرعي.
لأنه يعتبر في صحة التعبد بالشئ تعلق اليقين والشك به بالعنوان الذي يكون بذلك العنوان موضوعا للأثر الشرعي، والا فلا يكفي تعلق الشك بغيره من العناوين التي لم يكن كذلك.
والأثر الشرعي في أمثال المقام انما هو لمصداق الفرد بماله من العنوان التفصيلي، كصلاة الظهر والجمعة، والقصر والتمام، ونجاسة هذا الاناء وذاك الآخر بواقعه وعنوانه التفصيلي، ومثله مما اختل فيه أحد أركانه وهو الشك في البقاء، لكونه بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هومقطوع الارتفاع، بل ويختل فيه كلا ركنيه جميعا.
واما العنوان الاجمالي العرضي، كعنوان أحد الفردين أو الفرد المردد، أو ما هو موضوع الأثر ونحوها من العناوين العرضية الاجمالية، فهي وان كانت متعلقة لليقين والشك، ولكنها بأسرها خارجة عن موضوع الأثر.
إذ لم يترتب اثر شرعي في الأدلة على شئ من هذه العناوين العرضية، فلا يجرى الاستصحاب حينئذ لا في العنوان الاجمالي، ولا في العناوين التفصيلية، لانتفاء الأثر الشرعي في الأول، وانتفاء الشك في البقاء في الثاني.
وبهذه الجهة منعنا عن جريان الاستصحاب في المفاهيم المجملة المرددة بين المتباينين أو الأقل والأكثر، كالشك في مفهوم زيد المردد بين زيد بن عمرو وزيد ابن خالد، والشك في أن النهار تنتهي بغياب القرض أو بذهاب الحمرة المشرقية، والشك في مفهوم الرضاع الموجب لنشر الحرمة في أنه ما بلغ عشر رضعات، أو خمسة عشر رضعة، وفي مفهوم الكر المردد قدره بين ما يساوي سبعة وعشرين شبرا، أو ثلاثة وأربعين تقريبا، إلى غير ذلك من الأمثلة، فلا يصح استصحاب المفهوم المردد بين المفهومين بعد موت زيد بن عمرو، ولا استصحاب النهار بعد غياب القرض.
ولا استصحاب عدم تحقق الرضاع المحرم بعد تحقق عشر رضعات، ولا عدم كرية الماء بعد بلوغه الحد الأول، كل ذلك لما ذكرنا من انتفاء الأثر الشرعي فيما هو المشكوك، وانتفاء الشك في البقاء فيما له الأثر الشرعي، لكونه دائرا بين المقطوعين.
وبذلك أيضا يتضح الفرق بين الفرد المردد، وبين القسم الثاني من الكلى، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر.
فان صحة الاستصحاب هناك انما هو من جهة ان لنفس الكلى اثر شرعي وهو المانعية عن الصلاة مثلا، بخلاف الفرد المردد، فان الأثر الشرعي فيه انما يكون للشخص لا لعنوان أحد الشخصين والفرد المردد.
وهذه الجهة هي العمدة في الفرق بين المقامين.
لا بصرف كون الجامع المتعلق للشك واليقين ذاتيا هناك وعرضيا هنا.
ولذا لو فرض ترتب اثر شرعي هنا أيضا على مثل هذا الجامع العرضي نقول: فيه بجريان الاستصحاب.
كما ان في طرف الكلى لو كان الأثر الشرعي لنفس الحصة أو الفرد لا للكلي والجامع الذاتي بين الفردين نقول فيه بعدم جريان الاستصحاب.»[3]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج6، ص171 ـ 172.
[2]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج4، ص113.
[3]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج4، ص113-114.