بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هشتاد و هشتم
وهنا جهات يلزم التنبيه عليها:
الاولى:
اذا استقر وجوب الحج عليه، فانه يلزمه الإتيان به في السنوات المتأخرة عن عام الاستطاعة.
واما اتيانه به بأي وجه تمكن ولو كان حرجياً عليه، كما هو ظاهر كلمات الأعلام في فرض انتفاء استطاعته، فوجهه:
ان أدلة الحرج إنما ترفع الإلزام اذا لم يكن المكلف مقدماً عليه وأما لو أقدم نفسه اليه، فلا تتكفل لرفع الإلزام، وفي المقام ان المكلف بتركه الاتيان بالحج في ظرف تمكنه واستطاعته فانما أقدم على ذلك، لانه يحتمل انتفاء استطاعته في السنوات القادمة ومع ذلك ترك الحج.
ويمكن ان يقال:
انه قد مرَّ من السيد الخوئي التأمل في ذلك بتقريب أنَّ الفضاء يكون بأمر فاذا ترك الحج في عام الاستطاعة فان الأمر بتداركه في السنوات القادمة تكليف جديد وهو كسائر التكاليف مشروط بعدم كونه حرجياً.
لكن الظاهر عدم تمامية الإلتزام بما افاده.
وذلك لأن الأمر بالحج انما يتعلق بالمكلف غير مضيق بخصوص عام الاستطاعة، بل هو مكلف به مرة واحدة في تمام عمره، وليس وجوبه فورياً على ما مرَّ تفصيله، بل يرجح إتيانه عاجلاً، ولو تركه في عام الاستطاعة فان له الإتيان به في باقي سنوات عمره وليس الاتيان به قضاءه لما فاته، بل الأمر في جميع سنوات عمره أمر أدائي.
وعليه فانه ليس المشكل فيه كون القضاء بأمر جديد أو أمر سابق، بل المشكل في تصوير انه بتركه الحج في ظرف الاستطاعة أقدم على الحرج من جهة امكان انتفاء استطاعته بعد ذلك.
وهذا المعنى إنَّما يختص بمن ترك الحج مع علمه بانتفاء الاستطاعة دون من يحتمل عقلائياً بقاء استطاعته.
بل لعل مقتضى الأصل العقلائي بقاء وضعه الموجود كما هو الحال فيمن أقدم على الذهاب بالنسبة الى ما يحتمل وقوعه من انتفاء شرائط استطاعته.
وأما من ترك الحج مع احتماله بقاء الشرائط له عقلاءً فانه لا يتم تصوير اقدامه على الحرج المانع عن سقوط الوجوب عنه اذا اتفق انتفاء تمكنه.
وعليه فان من ترك الحج في عام الاستطاعة فله الإتيان به في العام القادم وهكذا الى نهاية عمره، ويشترط فيه جميع ما يشترط في التكاليف ومن جملته عدم استلزام التكليف حرجاً عليه.
وانما يختص الاشكال بمن لا يجري في مورده احتمال بقاء الشرائط عقلاً، حسب تشخيصه.
نعم: يستقر عليه التكليف بالحج ومعناه بقاء الالزام به وان له الاتيان به بعد ذلك.
ولا يضره اتفاق انتفاء ما يعتبر في الاستطاعة.
نعم فيمن ترك الحج في عام الاستطاعة عالماً بعدم بقاء الشرائط له بعد ذلك فيشكل الأمر فيه من جهة جريان دليل الحرج.
نظير من كان له ماء يكفي لوضوئه عنه الزوال وليس عنده ماء غيره فاهرقه عامداً مع علمه بعدم وجدانه الماء بعد ذلك. فانه لو كان تحصيل الماء بعد الزوال حرجياً له لزمه ذلك عند الاكثر ولا يكفي التيمم.
ولعل نظر اعلام الفقهاء في انه يلزمه الاتيان بالحج بأي وجه يمكن ولو كان حرجياً، الى ذلك.
الثانية:
ان مثل الوقوف في مني أو طواف النساء وان كان واجباً مستقلاً وليس من أفعال الحج، الا انه يلزم اعتبار جميع ما له الدخل في تحقق الاستطاعة فيه. ولا يتم القول بان فعلية الوجوب للحج واقعاً انما تكون بافعال الحج قبل الإتيان بطواف النساء أو قبل الوقوف بمنى.
وذلك لانه وان كان واجباً مستقلاً الا ان وجوبه انما نشأ عن وجوب الحج ووجوب الاحرام له وانه لا يخرج عن جميع محرمات الاحرام الا باتيانه.
وعليه فما سلكه المشهور من لزوم بقاء الشرائط الى ما بعد طواف النساء، وان تأمل فيه السيد الخوئي (قدس سره) الا انه تام وفي محله، لأن المكلف لزمه بالاحرام الخروج عن محرماته باتيان افعال خاصة، ومنها طواف النساء فهو وان ليس داخلاً في أفعال الحج الا انه يعتبر جميع ما يعتبر فيه.